مدير مركز بحوث الشرق الأوسط: الصبر جميل يامصريين

 

 

كتبت :فاتن الهواري

الحديث معه له مذاق خاص.. تتمنى أن يمتد إلى ساعات ولم لا فهو استاذ التاريخ الحديث والمعاصر ومدير مركز بحوث الشرق الأوسط التابع لجامعة عين شمس، الأستاذ الدكتور جمال شقرة الذى يعطى لنا الأمل وسط الضباب الذى نعيش فيه الآن فى عودة مصر ملء السمع والبصر مرة أخرى، لم لا والشعب المصرى العظيم علم الدنيا كلها كيف تكون الثورة، وأول ثورة فى الدنيا كانت ثورته على فرعون، مؤكداً أن الشعب المصرى تسيّد العالم كله ثلاثة آلاف سنة، ولكنه دائما مستهدف، شعب له قدرات فائقة على الصبر يصبر كثيراً ويفكر ألف مرة قبل أن يقدم على خطوة الثورة، لا مثيل له فى العالم كله، ابتدع النكات السياسية وأبدعها، ولا تزال سلاحاً من أسحلته للتنفيس عن نفسه والتنغيص على الحاكم...

«حواء» ذهبت إلى مركز أبحاث الشرق الأوسط فى جامعة عين شمس، والتقت مدير المركز وأستاذ التاريخ المعاصر د. جمال شقرة لتتعرف على رؤيته فيما يجرى الآن فى مصر 

بداية يحدثنا د. جمال شقرة عن تاريخ إنشاء المركز قائلا: أسس المركز عام 1967 بأوامر من الرئيس الراحل عبد الناصر وكان الهدف من تأسيسه أن يكون من مراكز الفكر، ويفترض أنه أسس على غرار مراكز البحوث العالمية، وأن يقدم توصيات بحوثه ودراساته واستطلاعاته لصانع القرار سواء رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو أى مسئول أو جهة.

يتكون المركز من «13» وحدة علمية، تعنى بكل ما يقع فى الشرق الأوسط ما بين الأرض والفضاء، حتى ما يتعلق بمشكلة مثل الدواء، ومشكلة الذهب والتنقيب عنه، من زاوية الموارد الاقتصادية.

كما يعنى بالعلاقات الدولية التى تؤثر على المنطقة، ولذلك وسعنا المفهوم من ناحية الممارسة فلا نقصد بالعمل فى هذا المركز تلك المنطقة وحدها، ولكن مددنا أنظارنا عبر إيران والاهتمام بجنوب شرق آسيا والقوقاز، ولذلك كانت المؤتمرات الأخيرة التى عقدناها عن إيران ومصر.

ويقول د. شقرة: يفترض بصانع القرار أن يأخذ بهذه التوصيات التى تصدر عن المؤتمرات العملية ممثلاً فى الرئيس السابق، ولكن للأسف الشديد لم يكن يعنى، كإهماله إحدى التوصيات المهمة جداً التى أفادت بوجود فراغ بعد سقوط الاتحاد السوفييتى والجمهوريات فى آسيا الوسطى والقوقاز، واشارتنا إلى أنها تربة خصبة للاستثمارات المصرية، ولكن السمة الغالبة وقتئذ سمة الركود السياسى، ووجدنا أنه لم تحدث أى استجابة لمثل توصيات هذا المؤتمر.

ويكتسب عملنا أهميته من استطلاعات الرأى التى نقوم بها، وأضرب مثالاً على ذلك باستطلاع أعددناه قبل ثورة 25 يناير قام به الدكتور ثروت إسحاق أستاذ علم الاجتماع فى جامعة عين شمس، وهو رئيس وحدة دراسات استقصاء الرأى فى المركز، وكان منصبّاً على شبابنا وكانت النتيجة سلبية للغاية حول أحوالهم وقضايا الشرق الأوسط. وأظهرت النتائج أن الشباب لا يعرف من قضايا المنطقة غير قضية فلسطين والعدو الإسرائيلى وبتسطيح شديد، وقد أعددنا بناء على هذا وبالاتفاق مع رئيس الجامعة د. ماجد الديب وقتئذ دورات لتنمية الوعى، السياسى عند الشباب، ولكنها لم تعقد وعندما قام الشباب بالثورة اكتشفنا أنه كان ينبغى على الجامعات ومراكز البحوث والفكر فى مصر، أن تنفذ مثل هذه الدورات حتى ترتقى بالوعى السياسى للشباب، وكنا فى غنى عن الأحداث العنيفة، لشباب خرجوا غير مسلحين بفكر سياسى، واندفعوا بغضب، تحت تأثير الظروف الاقتصادية والبطالة، وما إلى ذلك، ولو كانوا مسلحين بوعى سياسى لما أعطوا فرصة للذين يركبون دائما الثورات ويستغلونها.

ثورة حقيقية

ويستطرد قائلا: هناك مؤتمرات كثيرة ولكنها لا تفيد، فهناك انفصال بين النظرية والتطبيق وهذا الانفصال بين الأقوال والأفعال أو النظرية والتطبيق، يستدعى أن يتم التنسيق بين مراكز البحوث والجامعات وبين صانع القرار، لذلك أنادى بأهمية قيام ثورة حقيقية على التعليم فى مصر، سواء على مستوى التعليم العام، أو الجامعى، أو الدراسات العليا، لأننا نعاني أزمة فى البحث العلمى، وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه يتم الحصول عليها وتنشر ولا تقدم جديداً للعلم.

الأموال المنهوبة

وعن الأموال المنهوبة يقول: أقمنا ندوة عن استرداد تلك الأموال، وهي قضية تهم الشارع المصرى ولكن المسألة صعبة، لأن فيها غسل أموال وجهود جبارة لابد أن تبذل، لأننا تأخرنا فى المطالبة بها، ولابد أن ننبه الناس أننا لن نعتمد كدولة على هذه الأموال ونستفيد بها، ولكن المخرج الأساسى لأزماتنا الآن هو العمل بتركيز شديد، لأن عندنا «ميوعة كبيرة جداً». و«حالة من الاكتئاب والتواكل» التى يمكن أن تودى بمصر كلها، ناهيك عن الحديث عن القضايا الفرعية وشرعية الميدان والبرلمان، ولابد أن ننتبه أن عجلة الاقتصاد لا ينبغى أن تتوقف، وقريباً سيكون هناك رئيس، ولابد أن نواجه التحديات التى تتعرض لها البلاد.

علم الدنيا الثورة

ويؤكد رئىس المركز بفخر شديد أن الشعب المصرى أول من علم الدنيا كلها الثورة، ويضيف: أول ثورة فى الدنيا كانت ثورة الشعب المصرى على الفرعون «بيبى الثانى» وهذه الثورة ثورة جميلة جداً لأننا وقتئذ كنا نقدس الحاكم وكانت ثورة ضد الإله الفرعون، ونحن تسيّدنا العالم كله ثلاثة آلاف سنة عبر فترات التاريخ، وأصحاب امبراطورية عظيمة جداً، وبعد ذلك وقعنا فى قبضة الاستعمار بداية من سنة 30 قبل الميلاد حيث الاستعمار الفارسى وكان لابد أن يقوم المصريون بثورات ضد المستعمر، لكن حظنا العاثر أننا كنا أضعف فاستعمرنا أكثر من مرة، إلى أن جاء التاريخ الحديث مسجلاً ثورة مارس سنة 1805م ضد الوالى خورشيد الذى جاء بمحمد على ولياً للعهد، فهذه الثورة أول ثورة فى الشرق الأوسط تطرح فكرة العقد الاجتماعى عيّناك ولىا علينا بشروطنا، ووضعنا شروطاً وعندما قامت الثورة ضد الوالى الفاسد خورشيد وضد الولاة الذين يسكنون القلعة ويذلون الشعب المصرى، تجدين أن العدد الذى خرج فى ميدان القلعة وحاصر الباشا خورشيد بالنسبة والتناسب، هو نفس العدد الذى خرج إلى ميدان التحرير، وحاصروا الوالى ومنعوا عنه الماء والطعام، فاضطر فى النهاية للتسليم وبأريحية ولطف وجمال الشعب المصرى ، عزله سلميا هو ووزير ماليته «البرديسى».

والشعب المصرى يملك سمة جميلة وهى الصبر يصبر كثيراً جداً، وفى النهاية ينفجر ويقوم بثورة، وهو يصبر لأنه يعلم أن تجربة الثورات يعقبها انفلات أمنى وفوضى، وزمان حدث ذلك، لأن هذه هى الثورة المضادة، ومضادات الثورة يمكن أن تصل بنا إلى أن نقتل بعضنا البعض، وتقع المجاعات ونأكل القطط والكلاب مثل ما حدث فى الشدة المستنصرية بعد المنتصر بالله الفاطمى أيام الدولة الفاطمية، وكان انقلاباً على أبشع ما يمكن، والشعب المصري يدرك سريعاً الحاكم المستبد والظالم واللص، ولكنه يفكر مليون مرة قبل أن يقوم بثورة ضده، لأنه يخاف من الانفلات الأمنى والفوضى، ويلجأ إلى «الاحتجاج السلبى» الذى يتمثل فى صور كثيرة وجميلة جداً، وهو شعب لا مثيل له فى العالم أبدع النكات السياسية واستخدمها ضد الاستبداد والقهر، لينغّص بها على الحاكم.

وهناك الصامتون الذين يكتفون بالتندر والسخرية من واقعهم بعبارات وشعارات يتداولونها.

المرأة فى الثورات

ينتقل الحديث إلي المرأة المصرية حيث يقول: المرأة تلعب دوراً كبيراً فى الثورات وتشارك الرجل كتفا بكتف ويداً بيد من أيام الفراعنة إلى الآن، وتؤديه بجدارة، وبالرجوع إلى تاريخنا القديم تجدين نصائح الأم الفرعونية لابنها أو دعاء الزوجة الفرعونية لزوجها مثل الأغنية الشهيرة «وحوى يا وحوى إياحا» و«إيّاحا» هي الملكة أم أحمس وتحتمس وكانت تشجع ولديها فى الثورة ضد الهكسوس ومعناها افرحى يا إياحا ابنك رجع منتصرا.. أىضا ثورة 19 التى لعبت المرأة فيها دوراً خطيراً جداً، وحافظ إبراهيم سجل ذلك فى قصيدة شعرية.

وخرجت المرأة فى ثورة 23 يوليو تستقبل الدبابات والعربات المصفحة، لتقدم الدعم المادي والمعنوي للثوار، وتعد ثورة 25 يناير امتدادا لمشاركة المرأة الرجل جنباً إلى جنب.

ويختم د. شقرة حديثه بقوله: وتعتقد بعض الشعوب أن مصر قد ماتت إلا أنها سريعا ما تعود ملء السمع والبصر، فمصر قيمة كبيرة ودائما نحن مستهدفون، ونحن نتعرض لضغوط شديدة ولكن الأمل كبير، وأكيد لأن شعب بهذه المواصفات لايهزم، فقد مر علينا ما هو أسوأ من ذلك ولدي يقين بأن المصرىين قادرون على تجاوز الفوضى والانفلات الأمنى والثورة المضادة .

المصدر: مجلة حواء- فاتن الهواري

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,828,162

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز