أمهات ولكن أطفال
كتب : طاهر البهي
لايزال مسلسل الاعتداء على براءة فتيات فى عمر الزهور مستمرًا، وبنجاح عظيم على الرغم من الجهود الرسمية المتباطئة لعرقلة الظاهرة المؤسفة، لكن طمع بعض الآباء يقف كحجر عثرة فى طريق وقف عمليات اغتيال فتيات لا يملكن القوة المطلوبة التى يدافعن بها عن أنفسهن، والتصدى لعمليات الفتك بالذبيحة .. والحكايات أكثر من مؤلمة.
ودائماً ما يكون وراء هذه الجرائم، شخص محتال، لا ضمير له، تلتقى رغبته الشرهة تجاه المال، مع ضعف وجشع أب فقير، جاهل، تثقل كاهله أسرة مكونة من عدد كبير من الأطفال، يعجز عن الإنفاق عليهم، ويحلم ببناء بيت مستقل، يجعله من كبراء القرية، وليس له من عمل ولا وظيفة، إلا أنه تذكر فجأة أن لديه عدداً من الفتيات الإناث، وهن بضاعة مطلوبة من قبل بعض الأثرياء الطفيليين، حتى لو كانوا نصف أثرياء؛ فأحلام الأب متواضعة؛ فهو لا يطلب أكثر من عشرة آلاف جنيه لنفسه، ونصفها لابنته الضحية، وشقة استئجارًا فى حى نصف شعبى، لتكون مسرحاً للجريمة، جريمة، انتهاك عرض، واغتيال براءة، واغتصاب بتحايل لطفلة منكوبة، قد لا تتعدى الخامسة عشر من عمرها، بجسدها النحيل، الذى يخلو من علامات الأنوثة، أو الإثارة، لكن السائح «الترانزيت» يرى فى الصبية ما لا يراه الآخرون..
يجد فيها متعة «مؤقتة» وترفيهاً غير برىء، حتى وإن كان بعقد زواج -غير رسمى- يدبجه أحد وكلاء المحامين غير النقابيين .. فهنا كل شىء يتم فى الخفاء، فى السراديب، بعيداً عن الأعين الرسمية، أو فى كوخ فقير، أو على مقهى مشبوه .. الكل يؤدى دوره فى الجريمة، والكل يقبض الثمن، الوحيد الذى يدفع ويخسر، هو تلك الفتاة المكلومة .. المنتهكة كرامتها..
أما العريس «الكهل» المتصابى، الباحث عن المتعة بأمواله، فهو لايخسر شيئاً، هو من يدفع «الفتات»، ويجنى على براءتهن، ثم يلفظهن عند أول خلاف، والخلافات تشمل رغبة الفتاة فى السفر معه إلى بلده، وهو يعتبر أن ذلك يضر باسمه، وسمعته، وتجارته، إذن فهو يعلم أن ما يفعله شىء مشين، مخجل، ضد الأعراف والقوانين، ضد الرحمة والإنسانية..
ولكنه أنانى مشغول بنفسه ومتعته..
تجربة
الصدفة وحدها قادتنى أن أكون فى إحدى القرى على أطراف محافظة «الجيزة»، وبها نسبة لا يُستهان بها من هذا النوع من الزواج، الذى يتحايل على القانون، والأعراف، ويجافى المنطق، جلست أمامى فتاة، حاول أهلها أن يزِّيفوا عمرها، فقالوا أن عمرها تسعة عشر عاماً، فى حين كانت الصدمة إن عمرها ستة عشر عاماً فقط - كما قالت الفتاة بنفسها همساً - وكانت الكارثة أنها حامل فى شهرها السادس!
جلست أمامى على «فوتيه» لأنتريه بسيط، يتفاخر أبوها، بأنه من جهازها أى أن الذى اشتراه هو زوجها الهارب.
اتفقت مع والديها أن أسمعها بمفردى، بحضور الأم فقط من دون الأب، الذى لم يكن يتركها لتقول شيئاً دون أن يكمله بما يبرئه.
تقول صباح: إنه منذ كان عمرها تسع سنوات، ووالدها ينتظر لها أى خطأ، حيث يردد: «إمتى أجوزك وأخلص منك» كان يشعرها أنها ضيفة عنده وليست ابنته، وعندما كان يسمع أن إحدى بنات القرية تزوجت كان يستشيط غضباً، وكان يندب حظه العاثر: لماذا لا يأتى إلينا عريس «مستريح» يأخذ البنت؟!
وبالفعل عندما جاءه سمسار القرية، وأسَّر له بشىء، حتى تهلل وجهه من الفرحة، وخرج ثم عاد ليقول للأم: جهزى ابنتك .. بعد غد سوف يأتى عريس يأخذها..
هكذا خلال ساعات كان مطلوباً من الطفلة أن تتحول إلى عروس وزوجة وربما أم، وعرفت أن العريس أكبر منها، بأربعين عاماً، حتى أن والدها كان يناديه بلقب «عمى الشيخ».
وركبت الفتاة عربة تاكسى دون زفة لأن العريس مش عايز فضايح !
وفى ليلة الدخلة وجدت أمامها وحشاً كاسراً، ومن اليوم الأول عاملها كخادمة وكممرضة، تغسل له قدميه، وتحفظ مواعيد دوائه - ونصفها منشطات - كما اشترط عليها أن تأخذ وسيلة لتأجيل الإنجاب، فهو يخشى من زوجتيه السابقتين ومن أولاده..
وبعد أشهر ستة سافر عم الشيخ ولم يعد
ساحة النقاش