اللطم على وجنة القلب

كتبت : ايمان حسن الحفناوي

أحببتها وظننت أن لقلبها نبضاً كقلبي لا تقيده الضلوع

أحببتها فإذا بها نبض بلا قلب، سراب خادع .. ظمأ وجوع

فتركتها لكن قلبي لم يزل طفلاً

يعاوده الحنين إلى الرجوع

فإذا مررت وكم مررت ببيتها تبكي الخطى مني

وترتعد الدموع..

وكأن أمير الشعراء كان يراقبني وهو يكتب كلماته ... دموعي تنهمر ساخنة ملتهبة علي وجنتي، وأنا أفرش نظرتي البائسة وشاحاً من حب وألم ، احتضن بيوتاً بدأت تصغر شيئاً فشيئاً، كلما ابتعدت الطائرة محلقة في السماء.

الوجع يتوسد قلبي والحنين يمضغ مهجتي ويلفظها هشيماً.

شيء بداخلي يصرخ، يستجير، عقلي يشد شعره، وضلوعي صارت أصابع آلة بيانو حزين يعزف عليه الألم .. ألطم على وجنة القلب، وأشق جلباب الصبر الذي طالما تدثرت به .. نعم ، ألطم على وجنة القلب، ألم يخلق اللطم إلا للوجه فقط؟.

ماذا أفعل يا ربي؟ أين أذهب منها؟ هذه القاسية التي لم تقدر حبي ولم تحترم عهدي معها..عشقتها حتى صار جسدي ينتفض لمجرد رؤية حروف اسمها الثلاثة"م.. ص.. ر".

كان الجميع يقولون إنني جننت بحبها، وأحمل كلماتهم شهادة أقف بها على بابها كمتسولة لعلها تعرف وتفهم وتشعر.. عانيت منها الكثير لكنني كنت أعرف أن ليل الحيرة سيشرق له نهار.

كنت أتصور أن حبي وشغفي ولهفتي، عشقي الذي ذبت فيه وانصهرت تماماً في خيوطه الناعمة، القاسية، سيصبح كل ذلك شافعاً لي وسيسمع قلبها الذي أصابه الصمم سيسمع لوعة الشوق، تصورت أن عيونها التي تلونت بذهب القمح ستراني وتنتشلني من ضياعي وأنا أقف على بابها، كنت أتصور أنني سأسمع صوتها تهمس أحبك.

لم أكن أدرك ..

لم أكن أدرك أن قلبها الذي تصورته أصيب بالصمم هو أصلاً غير موجود، فقد رضى أن يبيعوه في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر..

عيونها الذهبية التي تصورتها عسلاً مصفى ما كانت إلا شركاً وفخاً منصوباً للبلهاء أمثالي، وما كنت أنا في نظرها إلا أقل من بعوضة يمكن اعتقالها في عسل العيون الكاذبة.

آآاآآآآآه.. الـ "آه" تخرج من "نني" القلب تحرق مسام جلدي قبل أن تجهز على ما تبقى مني، لأصبح في النهاية حفنة رماد لم يجدوا زجاجة يجمعونها فيها فذرتها الرياح..

كيف يمكن أن أكتب كلمات قد تسمعكم صوت أنيني؟ كيف يمكن أن يصلكم إحساسي بالضياع؟ بالخوف؟ بخيبة الأمل؟

هل باعتنا الغالية؟ هل باعتنا مصر؟ لو تأكدت أنها فعلت لأصابني الجنون، ولو تأكدت أنها لم تفهم لوقعت فريسة الهذيان، إذ كيف يمكن تفسير ما يحدث؟ من منا باع الآخر؟ باعتنا أمنا أم نحن الذين بعنا وقبضنا ثمن الصفقة الخاسرة ضياعاً؟.

كل ما درسته في جميع مدارس الفن لم يؤهلني لفهم سيريالية ما نعيشه الآن، كل معلومات علم النفس التي أفنيت عمري فيها تقف عاجزة عن تفسير غابة الجنون التي وصلنا إليها.. ويقولون لي، لا تظلمي مصر، فمصر جميلة لكن العيب فينا نحن أبناؤها.

ماذا يكون أي بلد إلا أرضاً وطبيعة وبشراً؟.. إذا اختل كل هؤلاء فأين بلادنا؟ إن كان عن الأرض فقد أصابها الإرهاق وظهرت عليها تجاعيد التعب، أما هواءها فلم يعد كما كان بارتعاشته البريئة الجميلة، صار غلالة تريد أن تجهز على أنفاسك، حتى النهر أعلن غضبه من إساءة التعامل، وأصبح يهددنا بأنه سيسحب مياهه ويرحل ولن يعطينا، أما إذا تكلمنا عن عنصر الشعب فهو أهم هذه العناصر، إذ كيف تستقيم حياة في بلد هو جنة الله في الأرض، وشعبه لا يقدر قيمته؟ كيف يهنأ بحياة في قصر منيف وسكان القصر يخربونه؟ أين ذهب شعب مصر؟ أين راحت محبتهم وسماحتهم وحبهم لبلدهم؟ أين ذهب نهار كان يشرق مع بائع الفول الذي تلمع قدرته تحت شمس ذهبية وفرحة صغار، وتحيات الصباح الحلوة تلقي بها العيون المحبة، في الشارع، علي محطة المترو، بائع الخبز وهو يلف لك أرغفتك التي خرجت لتوها من أتون ملتهب ترقص وتضحك، قلوب تلمع ببريق الماس تنعش صباحك بألفتها.

والآن؟ لنرى الصورة بشكل أوضح حتى لا نخدع أنفسنا..

أزمات متكررة في أنبوبة غاز، في رغيف خبز ، في تعاملات أبناء الوطن مع بعضهم البعض، في تناولهم لهمومهم ومشاكلهم، أين ذهبت الروح المصرية الأصيلة؟ حرائق هنا وهناك، اعتداءات متكررة على الآمنين، مشادات وتلاحمات، سلوكيات غير مسئولة، كل ذلك حتى لو كان خطة مدبرة بأيدي أطراف غير مرئية فمن الذي ينفذها؟ أبناء الوطن! معنى هذا أننا وصلنا لحال أن نمزق ملابسنا بأيدينا لمجرد أن هناك من حرضنا على هذا؟ أي منطق وأي فكر؟.

مصرنا الحبية مقبلة على مرحلة حاسمة فارقة، تستعد لعريسها الذي سيقلها على حصانه الأبيض ويعبر بها إلى آفاق الأمل، مصر عروس يختار أهلها فارسها، أيام ونحتفل بعرسها.. لماذا يفسدون علينا فرحة الانتظار وتركيز الاختيار؟ أهكذا يكون تحضيرنا لانتخابات رئاسية عشنا نحلم بها طوال حياتنا؟ أهكذا يكون الاستعداد لطقوس الاحتفال؟.

ضرب ورشق الحجارة وتبادل عنف واتهامات؟ هذا هو شعب بلد عظيم وأمة عريقة؟ نظهر على فضائيات العالم كرعاع ونحن من علمنا الدنيا الرقي والبناء؟ نخرب بيوتنا بأيدينا؟.

قبل انتخابات مجلس الشعب قامت الدنيا أمام وزارة الداخلية وسقط شهداء واهتزت الصورة، وانشغل الجميع في مظاهرات ودماء، انشغلنا عن شيء مهم وهو دراسة تاريخ المرشحين والإطلاع على برامجهم لنفند الغِث من الثمين، وما هي النتيجة؟ انتخابات نزيهة حرة لكنها لم تأت كما أردنا لها من تحضير شعبي متمهل دقيق واع ..

قبل انتخابات الرئاسة ننشغل مرة أخرى؟

كان الأحرى بنا أن نركز كل جهودنا في الإعداد لمرحلة حساسة في تاريخ بلدنا إن كنا فعلا نحب هذا البلد، ندرس تاريخ كل المرشحين، نبحث ونتناقش ونتابع ما يعرض علينا بعين المحلل الفاهم المدرك للأمانة لا أن تصبح معظم مناقشاتنا حول مؤامرات تحاك من هنا وهناك وسيناريوهات نضع معظم تفاصيلها وكأننا ننتج فيلماً هابطاً.. كان من الأجدر أن نتابع بعد استطلاع نشره مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء يقول إن هناك نسبة لا يستهان بها من المصريين لم يحسموا أمرهم بعد هل سيصوتون في انتخابات الرئاسة أم لا؟ كان لابد أن نهتم بهذه الدراسة المهمة ونبحث السبب في هذه الإشكالية ويتجه الإعلام وأجهزة الدولة المعنية بخطة مدروسة لوضع سياسة عاجلة تعتمد على خطة دقيقة لمواجهة هذا التخلي الذي قد يمارسه البعض.

اقتصاد مصر متوعك، والوضع الأمني يعاني والجو العام ليس على ما يرام.. والسبب كلنا جميعا، والنتيجة سنتجرع كأسها جميعاً.

مصر كرهت نزاعاتنا، بأيدينا، أو للدقة فبأيدي بعضنا ممن تحلقوا حول كعكة الوطن تم دفع مصر، لا لتنطلق للأعلى بل لتسقط في الهاوية، وإن كنا فعلاً نحب هذا البلد العظيم فلابد أن تتجمع أيادينا جميعاً لنمسك بيد وطن كاد يسقط في بئر سحيقة لن تجدي المحاولات الفردية لأن الاندفاع شديد ومن أرادوا لمصر السقوط يعرفون كيف يجهزون عليها، لابد أن نعلو على مصالح شخصية ضيقة ونمسك جميعا بيد مصرنا الحبيبة حتى لا تغيبها البئر.. إن فعلنا فقد أنقذنا وطناً عزيزاً وربحنا مستقبلنا، أما إذا اعتمدنا على محاولات فردية، فسوف يزيد عدد الضحايا حيث البئر ستبتلع الجميع

ليتنا نفيق قبل أن نضيع جميعاً.. فمصر تستحق المحاولة وتنتظر الخلاص بعد أن باتت ساق داخل الهوة وساق أخري تجاهد حتى لا تسقط .

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,465,939

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز