الرئيس مش فاهم حاجة ...

كتب :طاهر البهي

جملة غير مفيدة سمعتها عشرات المرات من شباب ورجال ونساء وشيوخ على مدار الشهر الجارى .. وربما الذى سبقه ..

والحقيقة أن العبارة باتت أشبه بوصف لحالة المصريين فى الشهور الأخيرة، ولم يعد يخجل من ترديدها فئات المثقفين والمتعلمين، ولم يعد بمقدور أحدهم أن يجارى مدعى السياسة والثقافة فيما يذهبون إليه بعيدا عن الواقع، فيهيمون فى ملكوت التنظيرات التى ما أنزل الله بها من سلطان، فى محاولات يائسة لتبرير وتفسير الأحداث السياسية اليومية التى أصبحت تداهمنا كقطار طائش، منفلت ، يوشك أن يصدمنا بخبطات موجعة، متتالية، وإذا استمعت إلى تنظيرات هؤلاء المثقفين الذين يوحون بابتسامة ثقة زائفة، أنهم عالمون ببواطن الأمور، تجدها كلها تحليلات وتكهنات تندرج تحت ما يسمى سياسياً بنظرية المؤامرة .

وأخطر ما ينتهجه أنصار هذا الحزب العريض «حزب المؤامرة» ، أنه لا يترك قضية ولا خبراً يحير الناس ، إلا وتصدى له تبعا لهذا النهج التآمرى ، ليس هذا فقط، بل إنهم يرفضون - ولا أقول يختلفون - مع كل الآراء التى تنطلق من المخالفين فى الرأى ، فهم وحدهم يملكون الحقيقة، وهم وحدهم يحلون الشفرات، وعلى سبيل المثال هم يملكون تفسيرا لنزول هذا المرشح تحديدا، كما أنهم يعرفون يقينا لماذا انسحب الثانى ، وكيف دبرت المؤامرة لاستبعاد الثالث ، وهم يعرفون دوناً عن الجميع من يمول ومن يساند، ولديهم وحدهم خريطة التكتلات والتحالفات والتربيطات، وماذا قيل فى الغرف المغلقة ، ومن الذى امتدت يده أسفل المنضدة ليصافح خصومه ..

باختصار حزب المؤامرة لديه كل الأسرار والكواليس، كما أن لديه صورة حالمة عن المستقبل القريب يسعى لفرضها على الجميع ..

مش فاهم .. جملة وجدتنى أرددها وأكررها، ليس فى صورة شكوى لا قدر الله، فإلى من أشكو قلة حيلتى وهوانى على الناس؟

بل أكررها اعتذارا منى لمن يطلب تفسيرا أو رأياً تنويرياً، ولأننى كائن إعلامى ، فإننى من أكثر الناس إقبالا على الصحافة الاليكترونية ، قارئا مخلصا على مدار اليوم، ليس بهدف تكوين رأى ، بل سعيا لانتزاع «خام الأخبار» ، وليت الصحف الالكترونية المتسارعة والمنتشرة انتشار النار فى الهشيم، تكتفى بأن تنقل لنا الخبر كما هو دون أن تضيف إليه بهاراتها أو رأى محررها الشخصى والايديولوجى ، ولكن الأخبار لا تتعانق أبدا مع هذا الهدف، بل تتصادم بعضها مع البعض الآخر داخل المحتوى الإعلامى الواحد.. وكثيرا ما تنتابنى نوبة ضحك مهذبة ؛ عندما أقرأ الخبر ونقيضه داخل جريدة الكترونية واحدة، بل والمدهش أنك تقرأ الخبر وتكذيبه فى نفس سطوره.. مثلما قامت به صحيفة كبىرة ، فكتبت عنوان خبرها : «فلان يتكلم لأول مرة» وبالفيديو كمان، ثم تقرأ التفاصيل فتفاجأ أن فلاناً هذا خرج غاضبا من اجتماع «مييتنج يعنى» ثم عندما وجه إليه السؤال قال : «لن أتحدث».

وفزورة اليوم : هل تحدث الرجل أم لم يتحدث؟

هذا هو المناخ الذى جعل الناس على اختلاف ثقافاتها وانتماءاتها، يرددون مع بسطاء الناس : «مش فاهم»

وعلى من لديه تفسير أو تحليل عاقل يتفضل، ونحن له مستمعون ! 

المصدر: مجلة حواء- طاهر البهي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 456 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,842,795

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز