إصلاح النفس البشرية !

كتبت :نبيلة حافظ

كثيرا ما يحب الإنسان أن يبدأ صفحة جديدة فى حياته .. ودائما ما يقرن هذه البداية بموعد مع الأقدار المجهولة كتحسن فى حالته أو تحول فى مكانته أو يقرنها بمناسبة خاصة .. المهم أن يكون تجدد الحياة نابعاً قبل أى شىء من داخل النفس لكى يأتى التجديد بثماره ويحقق أهدافه .

وما أحوجنا جميعا - الآن - إلى تجديد حياتنا والعيش بأسلوب جديد مختلف يبعث بداخلنا الأمل .. ويحيى فينا الروح التى ماتت ودفنت فى قبر اليأس والاحباط ..!

والنفس البشرية التى كرمها المولى تعالى تستحق منا جهداً كبيراً لكى نرعاها بين الحين والآخر ونزيل عنها ما اعتراها من اضطراب ونطهرها من الآثام ..؟ هذه النفس تستحق أكثر من ذلك وتطالبنا بأن نعيد إليها توازنها واعتدالها كلما هزتها الأزمات ..؟

إحساس جميل ورائع يسيطر على الإنسان عندما يعيد تنظيم نفسه بين الحين والحين .. وأن يرسل نظرات ناقدة فى جوانبها ليتعرف على عيوبها وآفاتها .. وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلص من هذه الهنات ..!

كل إنسان على وجه البسيطة «الأرض» لا يخلو من العيوب .. فالكمال لله وحده .. ومن لا يعترف بعيوبه هو إنسان مريض لديه عيب خلقى ويحتاج إلى عملية إصلاح وترميم لنفسه الممزقة، والإنسان القوى الواثق بنفسه هو من يواجه نفسه بعيوبه ويجاهد من أجل إصلاحها .. ربما تكون المهمة صعبة وشاقة ولكن إذا توافرت النية الصادقة تصبح الأمور أكثر سهولة والنتائج مرضية .

وإذا كانت إصلاح العيوب الإنسانية هى من أول خطوات تجديد الحياة .. يأتى من بعدها خطوات أخرى يجب على الإنسان الذى يفكر فى هذا الطريق أن يسلكها .. وأهم هذه الخطوات هى أن ينشغل الإنسان بحاضره أكثر من الانشغال بأعباء مستقبله .. لأن الانشغال التام بالمستقبل يدفع بالإنسان إلى الوساوس والأوهام والهواجس المقبضة .. لذلك من الأجدر علينا أن نعيش فى حدود اليوم بدلا من أن نتطلع إلى هدف يلوح لنا باهتا من بعيد .. وإنما علينا أن ننجز ما بين أيدينا من عمل .. وتستحضرنى هنا نصيحة ودعاء مأثور عن السيد المسيح يحفظه الأخوة الأقباط وهو «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم» فهو دعاء من أجل خبز اليوم ولم يحزن على الخبز الردىء الذى حصل عليه الأمس .. ولم يتساءل كيف أعيش وأطعم نفسى وأولادى لو فقدت وظيفتى ؟

إنه لم يرتبك مقدما لهذه الدواهى المتوقعة .. وفكر فى طعام يومه الذى بإمكانه أن يأكله فهو الشىء المضمون فى هذه الحياة .. والعيش فى حدود اليوم هو وصية السيد المسيح والتى تتفق مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من أصبح آمنا فى سربه .. معافى فى بدنه .. عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».

والحق أن استعجال الضوائق التى لم يحن موعدها حمق كبير وغالبا ما يكون ذلك تجسيدا لأوهام خلفها التشاؤم .. وبعض الناس يستهين بما وهبه الله من سلامة وطمأنينة فى نفسه وأهله وقد يزدرى هذه النعم العظيمة وينعى حظه السيىء الذى لم يمنحه الثروة والمنصب والجاه ..!

وهناك قول للشيخ الراحل محمد الغزالى يستحضرنى هنا وأنا أتحدث عن آفة لهث البشر وراء تحقيق المغانم والمصالح الزائلة فيقول متسائلا: أتدرى كيف يسرق عمر المرء منه ؟ ويجيب: يذهل عن قومه فى ارتقاب غده ولايزال كذلك حتى ينقضى أجله ويده صفر من أى خير ..! 

المصدر: مجلة حواء- نبيلة حافظ
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 573 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,799,402

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز