جناح بعوضة
كتبت :ايمان حسن الحفناوي
هناك وقت فاصل في أي قضية أو موضوع، ينبغي أن يحدده الإنسان بكل دقة إن أراد أن ينجح في الحياة، هذا الوقت هو الذي يحدد متى يتم إسدال الستار. والإنسان الذي يحمل قلبا ذكيا ونفسا راضية، يوفقه الله دائما لتحديد هذا الوقت فلا ينتظر حتى ينسدل الستار وهو مازال يؤدي دوره على المسرح، بل يدرك بشفافيته متى يسدلها بيديه ويؤدي قبلها تحية محبة لجمهوره، يلملم أشياءه ويخرج في هدوء ووقار.
بعض الناس يخرج قبل الوقت المناسب مما يصيب الجمهور بارتباك، والبعض تبهره الأضواء ويغريه تصفيق الناس، فينتشي وينسى نفسه، ليفلت منه الزمام لأنه لم يعد يسمع إلا صوته الذي يشجيه، فيظل يتكلم إلي أن يكتشف أنه وحده في المكان المتسع بعدما يذهب الجميع ويطفئون الأنوار.
لكن العاقل الذي يلهمه ربه الرشاد يعرف متى يخرج وكيف ولماذا، قد لا يعرف كيف دخل لكنه حتما يعرف وقت الخروج، فيصبح خروجه في حد ذاته رسالة.
والخروج أنواع كما البشر، هناك خروج في لحظات خطر، وهناك خروج في لحظة صدق مع النفس عندما يجد الإنسان نفسه وقد صار لزاما عليه أن يفعل انتصارا لكرامته وإعلاء لمبادئه وتحقيقا لكبريائه
خروج الخطر يختلف فيه البشر، فالبعض يركض كالجرذان لا يعرف إلى أي اتجاه يسير، يدوس في طريقه كل شيء وأي شيء، المهم أن ينجو من خطر قد يكون غير موجود إلا في مخيلته المرتبكة.
وهناك من لا يخرج إلا وقد اطمئن على من يهمونه وحدد باب الخروج جيدا واتجه إليه بكل تؤدة وهدوء،
وهناك من يرتبك ولا يعرف ماذا يفعل فيظل يلطم خديه ويصرخ، ليضيع الوقت وتغرق السفينة وهو يصرخ،
لكن هناك من يستسلم ويظل في موقعه لا يمكنه تحريك قدميه فيضيع في طيات النسيان، لا يسمعه أحد فيجيره ولا يمكنه الحراك.
أما الخروج الثاني فهو عندما يجد الإنسان نفسه وقد تم الاعتداء على كرامته وأصبح معرضا لمحاولات اغتيال كبريائه من قبل جهة لا قبل له بمحاربتها، لأن هذه الجهة تتصور خطأ أنها تملك أرزاق العباد وأقدارهم رغم أن المالك الأعظم موجود قبل الزمان وبعده. في هذه الحالة أيضا تختلف ردود الأفعال، فهناك من يرضى الإهانة ويستمر طمعا في استقرار زائف وينسى "من اعتمد على غير الله أخلاه الله منه" ويظل يداهن عله يلقى القبول، ويحظي بالسماح، وهناك من يجلس في ركن قصي يظل يلعق جرح كرامته ويبكي وحيدا ولا يحرك ساكنا، فلا هو الذي يثور على الخطأ ولا هو الذي يرفض الإهانة، ولا هو الذي ينسحب احتراما لذاته، وهناك من ينتظر، لعل الأمور تتغير ويسير على مبدأ" اصبر على جارك " وهو لا يعرف أن كل يوم يرضاه في الإهانة إنما يأكل لقمته مغموسة في ماء الكرامة منقوعة في منبع العزة، حتى تنضب غدد الإحساس عنده ويصبح بالذل راضيا.
أما النوع الأخير فهو الذي ينسحب بهدوء بعد عرض رفضه لما يحدث، يربأ بنفسه أن يعرضها للهوان، فهو يعرف أن نفسا أبية كهذه التي يشرف بها، إنما تستحق منه أن يضعها فوق أحلام فقاعية تزول بمجرد لمسها.
الناس أنواع والخروج أنواع، لكن أجمل ما في الحياة أن تحمل نفس فارس، لا يرضى بالهوان ولا يضع نفسه في موضع الشبهات، ولا يصبح دفتر شيكاته مكونا من نبضات عزته.. فارس لا يخرج وقد أدار ظهره، ولا يحارب طواحين الهواء فهو يعرف جيدا، أن الدنيا وما فيها لا تساوي عند من خلقها جناح بعوضة .
ساحة النقاش