رسالة إلى المجلس العسكرى

كتب :محمد الحمامصي

حال مصرنا اليوم يدخل في قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ،فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ،فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا،فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا).

النتيجتان كما يقول أهل العلم: إما أن يقوم أهل العلو بواجبهم في منع هذه الكارثة فينجو الجميع، وإما أن يتركوا أهل الأسفل وشأنهم بدعوى أن هذا نصيبهم يفعلون فيه ما يشاءون، وحينئذ تكون النتيجة الحتمية هي هلاك الجميع.

وسفينة مصر اليوم تتنازعها عشرات من فرق القوم، مشتتون لا تجمعهم رؤية ولا استراتيجية ولا قائد ولا يحد مطالبهم وطموحاتهم سقف، كل فريق يريد أن يستحوذ على مكان يقيم فيه مصالحه، كل فريق لا يهمه من أمر نجاة السفينة شيء، فقط يأخذه الغرور وتأكله الشهوة وتعميه السلطة غير آبه بالنتائج التي يمكن أن تترتب على ذلك.

كل فريق يجر وراءه عدد المؤمنين به وحده من عميان وصم وبكم لا يعون ولا يدركون ولا يفقهون إلا ما يمليه عليهم من أهوائه ومصالحه ونزواته وعليهم السمع والطاعة، وأمر السفينة لا يخطر على بالهم على الرغم من علمهم أن أطواق النجاة لسادتهم فقط وأنهم يشكلون الضحايا الرئيسيين غرقا أو حرقا.

المشهد عقب الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات الرئاسية يؤكد ذلك، خرجت التصريحات لتشعل النار في مختلف أركان السفينة، أنصار هذا في كفر الشيخ وأنصار هذا في الإسكندرية وأنصار هذا في السويس وهلم جرا، لم يغلب أحد منهم مصلحة نجاة السفينة على مصلحته في الاستيلاء على كرسي الرئاسة حتى بدا للعامة والبسطاء أن لا أحد يريد أن تنجو السفينة من أساسه.

وقد تحول هذا التخبط إلى فزع حقيقي في المجتمع المصري الذي تكاد أغلبيته تجزم أن السفينة على وشك الغرق وأن نجاتها باتت تتطلب معجزة إلهية، وهو الأمر الذي تكتشف من قرار البعض عدم المشاركة في الإدلاء بصوتهم في جولة الإعادة، وهذا برأيي هو الخطر بعينة أو بمعنى أدق خرق السفينة، فإن صمتنا واستمر نهج القوم أصحاب الفرق في إشعال الحرائق هنا وهناك فنحن جميعا شركاء في الجرم.

إننا في مرحلة مفصلية في تاريخنا ولابد لسفينتنا من النجاة بأقل الخسائر على كافة المستويات، وهو الأمر الذي يتطلب الحكمة والبصيرة وحسن التصرف من قبل القوة التي تدير شئون البلاد ممثلة في المجلس العسكري وعلى رأسه المشير محمد حسين طنطاوي الذي لا نشك مطلقا في وطنيته وحبه لمصر، حتى تستطيع استيعاب ما يجري وتحتضن السفينة وما عليها من قوم بسطاء يأملون في الحياة.

لا أنصح ولا أقترح ولا آمر ولكني آمل في أن يقوم المجلس العسكري بلم الشمل، ويجلس إلى هؤلاء وأولئك ناصحا أمينا بضرورة تنحية الوجاهة والشهوة والهوى والزعامة وتغليب مصلحة الأمة من جانب هذا وذاك ممن تشعل تصريحاتهم الضغينة والبغضاء والحقد بين أبناء الوطن، الأمر الذي يترتب عليه دفع هؤلاء الأبناء للصمت والانزواء في الوقت الذي نحتاجهم فيه ليدلوا بأصواتهم ويشاركوا في البناء.

ليدعو المجلس العسكري إلى توحيد الصف تحت راية النجاة، وليفهم الذين خسروا معركة الانتخابات أن هذه الانتخابات ليست نهاية المطاف وأن سفينة الوطن تحتاج لحماية كل منهم، وأن الرئيس القادم مجرد ربان ولكن القيادة الحقيقية في أيديهم وسواعدهم وأن مصر تحتاج الجميع.

رجاء لينحي الجميع أضغانه وأحقاده وأهواءه وشهواته وزعاماته، لأن الحريق أو الغرق سيأتي على الجميع، ولن يستثني أحدا، ولن يبقى لأحد شيء ـ يتمريس ـ يترأس عليه، لسنا في باب "أنا ومن بعدي الطوفان"، أو "هدم المعبد على الجميع"، ومصر وأبناؤها لا يستحقون ذلك، هذا البلد الطيب، الكريم، المضياف لا يستحق أن يتحول إلى "خرابة" تنعق فيها الغربان وتأكلها الديدان.

لقد قال الشعب كلمته فليتزم الجميع وليتنافسوا، وليدعو الخاسرون مناصريهم إلى المشاركة بحرية دون فرض على إرادتهم وتوجيههم إلى هذا أو ذاك، لندع الشعب يقول كلمته دون فرض وصاية عليه، ليختار من يرى فيه ربان نجاة السفينة، وعلى المجلس العسكري أن يؤمن حرية وإرادة الشعب ولا يركن للهدوء والدعة أو الممل أو "تكبير الدماغ"، فمصر وشعبها ومستقبلها ستظل أمانة في عنقه سوف يسائله عليها التاريخ

المصدر: مجلةحواء- محمدالحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 555 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,815,371

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز