وحيدة ..ولكن فى أمان اقتصادى

 

 

كتبت : سمر الدسوقي

مشكلتها .. مشكلة، فهي ليست فقط فتاة تقف بمفردها في مهب الريح، مواجهة كل مصاعب الحياة دون رجل يساندها ويحميها، ويكمل معها رحلة الحياة، ولكنها أيضا قد لاتجد ما يعينها علي إكمال مسيرة الحياة من عائد مادي، فهي وحيدة دون زوج، قد لا تعمل أو ربما تعمل في مهن هامشية، وقد تكون العائل الوحيد لأبويها وأشقائها، وفجأة يتقدم بها العمر، دون أن تجد لديها السند المادي الكافي لإكمال مسيرة الحياة، فتضطر للبحث عن هذا السند لدي شقيق أو عم أو خال أو قريب، هذه هي مشكلة هذه الفتاة ببساطة، والتي حاولنا وأن نمد لها يد العون، لنعرف كيف ستكمل رحلة ومسيرة الحياة، ولكن وهي في أمان اقتصادي، ودون أن تحتاج للبحث عن الدعم لدي الآخرينll

فى البداية تروى مشكلة هذه الفتاة وأبعادها د. عزة كريم - أستاذة علم الاجتماع والمستشارة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية - قائلة:

مشكلتنا فى المجتمعات العربية أننا دائماً نربى الفتاة فى الاعتماد على الغير، سواء كان هذا الآخر أباً أو أماً أو أشقاء، ثم زوجاً، لذا نجدها مهما تعلمت وعملت غير مستقلة فى حياتها وقراراتها، ودائماً ما تعتمد على الآخر فى الإيفاء بمتطلباتها من بيع أو شراء لمستلزمات الحياة، بل ويعد هذا الآخر مصدر حماية لها، ويتضاعف خطر هذا الوضع إذا كانت هذه الفتاة غير متعلمة أو لا تعمل، فهنا تحتاج إليه أكثر، كما لابد وأن ننظر إلى جانب آخر ألا وهو الفتاة التى تقوم بإعالة أسرتها اقتصادياً، فهذه أيضاً تنشأ فقط على قيمة المنح والعطاء دون التفكير فى نفسها، ونتيجة لكل هذا يسفر هذا الأمر عن أزمة حقيقية إذا كانت هذه الفتاة لم تتزوج، أو كتب لها القدر أن تكمل الحياة بمفردها، فنجدها إذا كانت تعمل لم تعرف قيمة تأمين نفسها مادياً، وبالتالى فهى كما تعتمد على الآخرين فى الإيفاء بمتطلباتها، تضطر إلى السعى خلفهم لمساعدتها مادياً خاصة وأنها قد تتعرض لحادث عابر، كالمرض مثلاً أو أزمة فقدان عملها فى سن متأخرة، ولأنها لم تستعد لذلك منذ البداية وتدخر ما تؤمن به مستقبلها واعتادت فى الاعتماد على الآخرين طوال عمرها، تجد نفسها محتاجة إليهم لمواجهة هذا الطارئ، فتلجأ لأخ أو عم أو خال، وكما أثبتت التجارب فهؤلاء أيضاً قد لا يكون لديهم العائد المادى الكافى الذى يساعدونها به، أو قد تلهيهم الحياة بمتطلباتها والتزاماتها عن مساعدتها، هذا بخلاف أن الفتاة التى كانت تعمل وتكد من أجل مساعدة أسرتها، قد تجد نفسها أيضاً فى مشكلة تتطلب وجود دخل مادى كافٍ معها، فى حين أنها لم تدخر شيئاً لنفسها، بل وحرصت طوال رحلة حياتها أن ما معها للآخرين، ورغم أننا لا نقلل من قيمة هذا، ورغم أن هذه المشكلة كما بحثنا فى أسبابها تعد من الأساس مشكلة مرتبطة بأسس وقواعد تربية وتنشئة خاطئة، إلا أن إدراك أبعادها والاحتياط لها يبدو جلياً من خلال التعرف على مشكلات وتجارب الآخرين وما واجهوه فى هذا الشأن، أما العلاج فيبدأ من الفتاة نفسها، فحتى إذا كنت تقيمين فى رعاية وكنف أسرتك، عليك وأن تعتادى ومنذ سن مبكرة على الإيفاء بمستلزماتك وتحمل مسئولية نفسك، حتى لا تجدين نفسك فى أزمة حقيقية بعد أن يتقدم بك العمر ولم يكتب لك الارتباط، لذا فأهِّـلى نفسك منذ البداية على أنك وحيدة وعليك القيام بمعظم شئونك بنفسك بقدر الإمكان، ومن هذه الشئون - حتى إذا كنت ملتزمة برعاية أسرتك مادياً - هو أن ترعى نفسك مادياً واقتصادياً وتحتفظى بقدر من أموالك ولو قدراً بسيطاً حتى لا تتعرضين لأزمة حقيقية فى وقت قد تكونين لم تستعدى له بعد.

خطة اقتصادية

ويكمل روشتة مواجهة هذه المشكلة اقتصاديا، د.هانى وهبة - الخبير الاقتصادى بالمركز المصرى للدراسات والبحوث الاجتماعية والاقتصادية - قائلاً: نتيجة لظروف التنشئة الاجتماعية تربى الفتاة على مبدأ الاعتماد الاقتصادى على الغير، وبالتالى تتضاعف أزمتها إذا تقدم بها العمر ووجدت نفسها وحيدة لا يوجد من يساعدها ويدعمها فى أى مشكلة اقتصادية قد تطرأ على حياتها، وما نريد أن نعلمه لها هنا، أنها كأى كائن قد تتعرض لمشكلة خلال رحلة حياتها تجبرها فى الاعتماد على رصيد مادى مدخر، وبالتالى فإذا كانت تعمل فعليها وأن تضع خطة منذ بدء التحاقها بالعمل، بمصروفاتها ومدخراتها تتضمن بنداً ثابتاً للادخار أياً كان، وحتى إذا كانت تتعرض لضغط من قبل أسرتها لإنفاق كل دخلها على أسرتها من أب وأم وأشقاء، فعليها وأن تفكر فى نفسها قليلاً، بل وتحاول أيضاً إيجاد عمل يوفر لها دخلاً إضافياً بجانب عملها الأساسى، تدخر منه، ما يحميها من الأزمات والمخاطر المادية فى المستقبل، حتى وإن كان بشكل خاص، فهى كما تعمل من أجل الآخرين، عليها وأن تفكر فى نفسها.

أزمتها الاقتصادية أكبر

وهو نفس ما يؤكد عليه د.حمدى عبدالعظيم - الخبير الاقتصادى والرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية - قائلاً: لا يوجد فرد على مستوى العالم يعيش حياته بشكل عشوائى من الناحية الاقتصادية، بمعنى أنه ينفق كل دخله ويعيش حياته دون أى تأمين، معتمداً على صحته سوف تستمر بنفس الصورة، بل إن هذا الدخل لن يتأثر، هذا بالنسبة للأفراد العاديين بالطبع، وفى رأيى وعلى العكس مما يظنه البعض من أن الفتاة لابد وأن تكون تابعاً للغير بل وتعتمد على الآخر منذ نعومة أظافرها حتى بعد أن تكمل تعليمها، وتعمل سواء كان زوجاً أو أباً، فإن الفتاة أزمتها أكبر وأكثر تأثيراً، فهذا الآخر قد يخذلها لأى سبب فقد تفقد الأب وقد لا تتزوج، بل وقد تتزوج ولكنها تنفصل، وبالتالى فلابد وأن تعى أن وضعها واستقرارها المادى أكثر صعوبة من الرجل، بل وتربى على هذا منذ نعومة أظافرا، فتعودها الأم على إدخار جانب من دخلها مثلاً لشراء مستلزمات زواجها، أو شراء ملابسها، بل وتفتح لها بنفسها وديعة بنكية، وتعمل على متابعتها بنفسها حتى لا تهمل الفتاة مبدأ الادخار، وهناك جانب آخر متعلق بالفتاة نفسها ألا وهو تدريبها على أن هذا الآخر قد لا يكون موجوداً، وقد لا يساعدها مادياً إذا احتاجت، لأنه ببساطة قد لا يكون لديه عائد كاف لهذه المساعدة، وبالتالى فالادخار منذ بداية مراحل الشباب مهم، بل وهناك أيضاً مبدأ الاستثمار، فلا أعرف لماذا لا نربى فتياتنا على أن يستثمرن جزءاً من دخلهن من العمل فى مشروع، ولماذا لا نوجه من فشلت فى إيجاد فرصة عمل إلى الحصول على قرض بسيط وعمل مشروع خاص بها يكون ضماناً وحماية للمستقبل، فبهذه الطريقة لا تحتاج مادياً للآخرين حتى وإن كانت متزوجة وليست وحيدة.

شعور بعدم الأمان

ولأن الإحساس بالأمان إحساس نفسى بل وتحقيقه يعتمد على العديد من الأساليب النفسية، عن إمكانية تحقيق هذا يقول د.عادل مدني - أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر- : مشكلة الفتاة الوحيدة والتى قد لا تتزوج، أنها بداية ونتيجة لعدم الارتباط لديها إحساس مسبق بعدم الأمان وأنه لا يوجد من يساعدها ويحميها بل ويقويها على مواصلة الحياة، وتتضاعف هذه المشكلة أو الأزمة إذا كانت غير مستقرة اقتصادياً بمعنى أنها لا تعمل أو تعتمد على الآخرين فى الإنفاق عليها، أو لديها راتب بسيط لا يساعدها على مواجهة أى طارئ صعب قد تتعرض له فى حياتها خاصة فى سن متقدمة، وما نقوله هنا إن الاستقلال المادى يمنح الفرد قدرة على التحكم بمقاليد أموره وبقراراته، بل ويمنحه قوة وإحساساً بالأمان والاستقرار، وبالتالى فعلينا حتى وإن كنا نتحدث هنا عن الفتاة التى لم تتزوج أن نحقق هذا الجانب، لأن هذا كفيل حتى بإعطائنا الحرية فى اختيار من يشاركنا حياتنا فى أى مرحلة عمرية، بل وإعطائنا القدرة على اتخاذ قراراتنا ومواجهة مشكلاتنا، كذلك هناك مبدأ إنسانى مهم يتم استخدامه فى الحياة بصورة خاطئة، ألا وهو مبدأ العطاء فرعايتك لأسرتك الكبيرة أو إنفاقك على أبويك وأشقائك، لا يعنى ألا تفكرين فى نفسك أو تؤمنين مستقبلك، خاصة وأنه قد يكون عليك مواجهة هذا المستقبل بمفردك ودون أى عائل، إذا أدركت الفتاة كل هذا لسعت وبنفسها لتحقيق الأمان لنفسها دون الاعتماد على الآخرين، من خلال إدخار جزء من دخلها، أو عمل مشروع صغير، أو استثمار ميراث، بجانب اعتبار نفسها حتى وإن كانت متزوجة، فرضاً عليها وأن تواجه الحياة فى أى لحظة بمفردها والأمان المادى هو سبيلها لشعورها بالأمان والاستقرار النفسى فى الحياة.

الاستثمار

وآخر روشتة اقتصادية تقدم لنا لتحقيق هذا، تقدمها لنا الخبيرة الاقتصادية وخبيرة التنمية أنيسة حسونة قائلة: هناك بنود عديدة كفيلة بتحقيق الأمان الاقتصادى لأى فتاة، أولها تنشئتها فى الاعتماد على نفسها وعدم إلقاء كافة مسئولياتها ومتطلباتها على الغير، وثانيها: ضرورة الادخار ولو من مصروفها الشخصى، هذا بجانب تربيتها على أن الادخار والاحتفاظ بجزء من دخلها ضرورة لتحقيق استقلالها بل وقدرتها على اتخاذ قرارها بنفسها حتى عندما تختار شريك حياتها، وهناك أيضاً أن تكون مقدامة وتنشئ وتؤسس مشروعها الخاص ولو بقرض بسيط، دون أن تخاف من المخاطرة، فهذا يؤمنها بشكل أكبر، كما أن عليها وأن تدرك أن المستقبل قد لا يكون آمناً كما تتصور، فقد يحفل بمخاطر لا تجد لمواجهتها سوى أن يكون ليها دخلها الخاص، ولذا فهناك الادخار وعدم الإنفاق ببذخ على متطلبات الحياة، وعدم التضحية بشكل مادى كامل بالنفس، فلتنفق ولكن بحدود، وأخيراً، تنمية مبدأ الاستثمار والمشروعات الصغيرة، كوسيلة وضمان لاستمرارية الحياة بصورة آمنة

المصدر: مجلة حواء- سمر الدسوقي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,923,351

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز