ليست المرة الأولي
مــصـــر دائما تختار الحاكم
كتبت :ايمان العمري
انتخابات 2012 نقطة فاصلة فى تاريخ البلاد، فلأول مرة منذ فجر التاريخ يختار الشعب رئيسه .. معلومة روجت لها أغلب وسائل الإعلام .. فإلى أى مدى هذه المعلومة صادقة ؟! وهل مصر صاحبة أعرق الحضارات لم تعرف سوى القهر .. وعاش شعبها 7 آلاف سنة لا يعرف معنى الاختيار ؟!
يجيبنا عن هذه التساؤلات بثورة عارمة أ.د. عبدالحليم نور الدين أستاذ الآثار المصرية القديمة، والرئيس السابق لهيئة الآثار يقول : «هذه المعلومات عارية من الصحة .. فمنذ فجر التاريخ والمصرى يختار حاكمه، وفقا لأعراف وتقاليد كانت متبعة فى تلك المرحلة من التاريخ .
فقد كان هناك قواعد للسلطة، وكان هناك ما يسمى بالمؤسسة الملكية التى تأخذ بشكل هيكلي يحكم الدولة على رئيسها الملك، وبعد ذلك تتدرج المناصب من الوزير مرورا بقائد الجيش، وحتى حكام الأقاليم.
وكان على الملك أن يحظى على رضاء الشعب، ويبارك الشعب الملك ومن يختاره الملك وليا للعهد، وهذه المباركة نوع من الدعم، وعندما يخرج الملك عن الشرعية تقام ضده الثورات ولم يوجد ملك اغتصب العرش فقد كانت تقاليد محكمه لمباركة الآلهة والشعب للملك إضافة إلى أن الأعياد الخاصة بتتويج الملك، وتنصيبه هى نوع من الممارسة الديمقراطية التى مارسها الشعب المصرى وفق مفاهيم العصر القديم، والتى تختلف بكل تأكيد عن معايير العصر الحديث، ونظام الحكم فى اليونان والرومان الذى جاء بعد مصر بحوالى 3 آلاف سنة وهم الذين تعلموا منا ..
فالشعب المصرى منذ فجر التاريخ مارس الديمقراطية ولولا ذلك ما قامت الحضارة المصرية العظيمة التى بهرت كل العالم، ولم يقتصر الأمر على تقاليد اختيار الحاكم، وإنما كان الشعب يثور أيضا إذا خرج الملك عن الشرعية، ولعل من أشهرها الثورة التى قامت فى نهاية الأسرة السادسة أى فى القرن الـ 24 ق . م، وأطاحت بالأسرة الملكية واستمرت ثورات المصريين ضد الظلم، والطغيان، فالشعب المصرى مسالم لكنه غير مستسلم وتلك حقيقة سطرها التاريخ منذ آلاف السنين .
محمد علي وسعد زغلول
واستمر الشعب المصرى يمارس حقه فى اختيار من يحكمه وفقا لمعايير كل فترة زمنية مر بها .
وتحدثنا عن العصر الحديث أ.د. أمال السبكى استاذة التاريخ الحديث والمعاصر ، والوكيلة السابقة لكلية آداب بنها وتقول : «إذا عدنا بالزمن للقرن الـ 19 نجد أن الشعب المصرى عام 1805 قد أختار محمد على وليا عليه، وعزل الوالى خورشيد باشا لكن يجب علينا أن نراعى أن معايير اختيار الحاكم فى القرن الـ 19 كانت مختلفة، كذلك أوضاع البلاد حيث كانت نسبة الأمية 95% ، والتعليم يكاد ينحصر فى الأزهر لذا فالطبقة المتعلمة هى التى اختارت محمد على، ومارست شكلاً من أشكال اختيار الحاكم كان منحصرا فى الطبقة المتعلمة من خريجى الأزهر والقلة من الأثرياء ، وقد مارست هذه الطبقة ممن يمثلون الزعامة الشعبية فى ذلك الوقت ما يمكن أن نسميه بالمفاوضات السياسية مع الحاكم التى أعطت لها الكثير من الحقوق، ومع بداية القرن العشرين، وتكوين الأحزاب ظهرت أكبر مشاركة سياسية شعبية من خلال «حزب الوفد» واختيار سعد زغلول زعيما للأمة، وبعد ذلك مصطفى النحاس، كما مارس الشعب حقه فى كتابة دستور 1923، واختيار أول رئيس وزارة مصرى، وهو سعد زغلول فيما عرف باسم وزارة الشعب ثم بدأت سلسلة رؤساء الوزراء المصريين فى نظام برلمانى أعطى لرئيس الوزراء صلاحيات كبرى .
وبعد ثورة 1952 أعطى الشعب ثقته فى عبدالناصر لتحل الشرعية الشعبية محل الشرعية الدستورية حتى أننا ظللنا بدون دستور حقيقى لفترة وذلك لثقة الشعب فى الزعيم عبدالناصر الذى قام بالعديد من الأعمال الكبرى فى كل المجالات .
وهكذا عندما يتاح للشعب المصرى فرصة الاختيار دون قمع فإنه يختار حاكمه الذى يبنى معه أعظم الحضارات ويحقق فى عهده كبرى الإنجازات
ساحة النقاش