المصالحة أولاً

كتب : طاهر البهي

لعل السؤال يكون من السذاجة أن يطرح الآن، وقد أوشك السباق على الوصول إلى محطته النهائية، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فقد مضى وقت الدعاية لمرشح ما، ولكن الآن وقد أقترب موعد التنصيب لأهم وأخطر منصب يشغله مواطن بتكيف من الشعب كل الشعب الذين قالوا نعم له أو لغيره، وتلك أبسط قواعد الديمقراطية أن نحترم ما يسفر عنه الصندوق الانتخابى..

الآن وقد أوشكنا على استكمال دائرة مؤسسات الدولة، نطالب من يجلس على معقد الرئاسة، أن يكون رئيساً لكل المصريين، دون إقصاء أحد من المختلفين أو المعارضين، أو حتى الرافضين، وهذا هو الاختبار الصعب أمام كل من يحكم بدءاً من المؤسسات الصغيرة وحتى أرفع وأخطر مؤسسة، وهى مؤسسة الرئاسة، لن نقبل الآفة التى ابتليت بها مصر فى بعض مصالحها ومؤسساتها، ألا وهى «تصفية الحسابات القديمة والجديدة»، نريد رئيساً متسامحاً مع نفسه قبل أن يتسامح مع الآخرين، نريد رئيساً يتصالح مع الخصوم، ليمد لهم يده، ويمدوا له أيديهم، نريد رئيساً لمصر لم يصبه الغرور، ولا دوران الكرسى، فيطيح بخصومه ومنتقديه.

نريد رئيساً لمصر يكون أبعد ما يكون عن الصلف والغرور، فيتصور أننا له من الدراويش والمؤيدين، حتى لو نكل بنا نظامه، أو بطش بنا رجاله، نريد رئيساً لمصر قبل أن يفرح بإحصاء عدد الأصوات التى قالت له (نعم)، أن يتفضل بالنظر إلى من قالوها لغيره، حتى يدرس برامجهم وسماتهم الشخصية، بل وأن يحلل له معاونوه مفردات خطبهم ومؤتمراتهم، نريد أن يستكمل ما فاته فى برنامجه وفى خطابه السياسى، وأن يعلن لشعبه - بكل تواضع كان يفتقده سابقوه - أنه سوف يتبنى الصالح من برامج غيره.

نريد من رئيس الجمهورية ألا يقصى خصومه، وألا يلفق لهم التهم من أجل إبعادهم عن الساحة السياسية، أو تشويه صورهم بماء نار الشائعات والثرثرة الكاذبة المغرضة، تماماً كما فعل سابقوه فانتقم منهم الله القوى العزيز بما هم أهل له، وحتى عاد الشرفاء مرفوعى الرأس، محمولين على أعناق شعوبهم، ولم ينل الظالمون الطغاه إلا الخزى والعار جزاء ما قدمت أياديهم.

نريد رئيساً لمصر يحقق دولة العدالة وسيادة القانون، ويقضى على الرشوة والفساد والظلم والقهر والواسطة البغيضة، نريد رئيساً يسرع فى إعلاء البناء، وإعادة الأمن، ودفع عجلة الإنتاج، وتشغيل الشباب الذى لولاه لما جاءت هذه الانتخابات بهذا الشكل، فأن تعلن نتائج الفرز عبر الهواء مباشرة، كان حلماً لم يرد بخاطر جيلى على الأقل، ولكنه الحلم الذى تحقق على أيادى الشباب النقية، البرئية، فصعدت هتافاتهم إلى السماء حتى زلزلت الأرض ومن عليها من كبار الطغاة الذين فسدوا فيها فحق عليهم العذاب.

نريد رئيساً يعلم أنه يتبوأ شرف تمثيل مصر، وهو أرفع وأخطر منصب يكلف به الشعب أحد أبنائه، وما أقساها من مهمة، وما أعلاها من شرف، نريد رئيساً ينفض الغبار عن الفلاح والعامل والموظف، الكادحين، الشقيانين - دون أغفال الطبقات الأخرى -، نريد رئيساً يحقق للمرأة كرامتها، نريد رئيساً يمحو عار العشوائيات، التى اصطلح على وصفها بالقنبلة الموقوته، وأبقى عليها النظام السابق لغرض فى نفس يعقوب، ويمنح لهم الحق فى حياة آمنة، يسودها الستر والكرامة، لأولئك الذين لا يتمتعون بالحد الأدنى من العيش الكريم، ومن مأوى آمن، ومساحة معقولة تمنع اختلاط الأبناء مع الآباء ليلاً. بما يحمى حمرة الخجل لدى أفراد الأسرة.

وليعلم الجميع أن الشعب لن يقاد، ولن يرغم على ما لا يرتضيه، وبدون الرضا والدعم الشعبى، لن تكون هناك دولة قوية، ولذلك فنحن لا نريد رئيساً ينادى بالأمن أولاً، فالأمن ليس هو الهراوات وقنابل الغاز، ولكن نريد رئيساً ينادى بالمصالحة أولاً، وإثبات حسن النوايا تجاه الخصوم قبل المؤيدين، باختصار.. نريد رئيساً نطمئن له، ونعمل معه بلا خوف ولا تشكيك 

المصدر: مجلة حواء- طاهر البهي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,794,218

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز