شگراً لغبائهم..

كتبت : ايمان حسن الحفناوي

إذا لم تستطع إبهار العالم بذكائك، فلابد أن تحيرهم بغبائك..

جملة قرأتها وأنا أقلب صفحات موقع التواصل الاجتماعي(فيسبوك)، من وقتها وأنا أفكر فيها.

الجملة أكثر من رائعة لو تناولناها بعمق، فقد نظرت حولي وتابعت ما يحدث من الجميع في هذه الفترة الفارقة، فوجدت الجملة تنطبق علينا بشكل عجيب... ففي ظل ظروف سيريالية نمر بها وتمر بنا، أصبح معظم الناس ولله الحمد عارفا ببواطن الأمور، وكأن كل واحد منا أصبح "أول واحد إتعلم في الكفر" يجلس ويحلل ويستنبط، ولا يكتفي بذلك، بل يصر أنه يقرأ جيدا ما بين السطور، وأنه بعقله الذي كشف الغيب وما وراء الغيب توصل لنتائج يظل يطرحها ويقنع بها الآخرين! العجيب أن من حوله ينقسمون إلى فريقين، فريق يصيبه الذهول من هذه العبقرية الفذة، فيظل يستمع فاغرا فاهه، إلى أن ينتهي اللقاء، فتراه يذهب لآخرين يعرض عليهم نفس الرأي بعد أن يكون قد نسبه لنفسه، لكنه لا ينسي أن يضيف بعض البهارات ومحسنات الطعم.

أما الفريق الثاني فلا يعطي فرصة لأنه هو أيضا يحمل رؤى عجيبة استخلصها بنفسه وعقله الفذ ! هؤلاء الجهابذة لم يعد وجودهم فقط على النواصي والمقاهي وموائد الطعام وقت اجتماع الأسرة، لكنه صار في بعض وسائل الإعلام والجهات المهمة التي من المفروض أن يؤخذ منها ويؤخذ عنها! لذلك فالمجد للصامتين في هذا الوقت العجيب، لكن حتى هذه الفئة لا تسلم، فهي الصيد السهل جدا لبعض ضيوف الحلقات الفضائية يضعون في آذانهم خلاصة أفكار قد لا يكون قائلها نفسه مقتنعا بها ! لوحة سيريالية عجيبة، لكنها ممتعة جدا لأي عالم نفس أو مهتم بالشأن الاجتماعي، أو كاتب محلل. فلن نجد مثل هذه الفترة ثراء وتنوعا نراقب فيها سلوك البشر وكيفية تعاملهم مع الأحداث المتلاحقة بشكل مميز جدا.

أنا شخصيا أتابع هؤلاء وأعطيهم كامل تركيزي وبعدما يتركونني- إن كنت أجلس معهم- أو ينتهي البرنامج - إن كنت أتابع الفضائيات- أسجل كل ما جاء بأحاديثهم وفتاواهم، وقد تجمع عندي أرشيفا عجيبا يشكل كنزا ثمينا جدا لأي كاتب يريد بعد انقشاع الضباب أن يحلل ويرصد فترة من أهم فترات حبيبتي مصر.

العجيب والذي لفت نظري بشدة، أن هناك من الشخصيات من يستخدم ذكاءه بشكل ممتع ومميز، هذه الشخصيات التي أحدثكم عنها هي من الشخصيات البارزة في المجتمع والتي سوف أتناولها باهتمام لأنها تعتبر مؤثرة بشدة في الشارع وفي العقل الاجتماعي في هذه الفترة، ومن أرشيف كل ما جاء على لسان هذه الشخصيات وما تم التأكد منه بالدليل والوثائق، أدركت أنهم للأسف من كثرة ما يظهرون على الشاشة الصغيرة يبدو أنهم لم يجدوا وقتا ليتابعوا ما قالوه، فيعودون بعد شهور ليقولوا أشياء إما تؤكد أنهم يحتاجون علاجا سريعا قبل أن تتعمق لديهم الشيزوفرينيا، وإما أنهم يقولون آراء للاستهلاك الوقتي، فيتم نسيانها بعد فترة لأنها لم تكن من داخلهم فعلا، وإما أننا نحن المجانين وأصبحنا لا نفهم.

هؤلاء الأعزاء عندما تضع هذه الفترة أوزارها سيدركون أن الدوامة ابتلعتهم دون أن يشعروا وأنهم أصبحوا مادة دسمة لكتب التاريخ ليدرس أحفادهم ما قالوه (وهتبقي ليلة يا عمدة) ألم أقل لكم أنها فترة أكثر من غنية لما فيها من كل هذا الزخم الرائع؟.

هناك فريق آخر لكنه حاول أن يبهر العالم بذكائه فلم يفلح للأسف، فراح يمطرنا بوابل غبائه (ما هي ناقصة) هذا الفريق يعجبني شخصيا وأتابعه بنَهم، ففي ظل الأحداث التي نعانيها و(الدربكة) التي تحاوطنا أشعر أن ذهني أصابه الإرهاق، وأن روحي تحتاج محفزا أو إعادة شحن، فألجأ إلي جهاز الحاسوب المحمول أبحث فيه عن هؤلاء الرائعين لتتبدد متاعبي وأطلق الضحكات من القلب على هذا الأداء العجيب، وكأنه فاصل كوميدي، وأشكر الله أن وهبنا هذه الثورة العظيمة التي من ضمن آثارها الإيجابية أن أفرزت لنا مثل هذه الكيانات التي تضحكنا وتنعش قلوبنا بما تعرضه علينا من أشياء فاقت توم وجيري!

كل ذلك يجعلني أتأكد من المقولة التي أعجبتني، فهؤلاء الناس لم يتمكنوا من إبهارنا بذكائهم ، فلم يقصروا بصراحة بل بذلوا المجهود الكبير ليحيرونا بغبائهم، هؤلاء الناس ليسوا على الفضائيات فقط، فهم حولنا ليل نهار... ابحثوا عنهم ستجدونهم، واشكروهم لأنهم بذلوا المجهود في الاستفادة بهذا الغباء

إلا بارك الله لهم في غبائهم وجعله نبراس حياتهم دائما .

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

Dr-mostafafahmy

الأخت الفاضلة / إيمان
تحياتي لما تؤمنين به ولما تكتبيه، ولكن أرجو ألا يكون نقد إخواننا - رغما عن أنوفنا - المسلمين لمقالك السابق هو الذي جعلك في مقالك الرائع هذا لا تذكرين لنا من هم هؤلاء الأغبياء ؟!!

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,776,063

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز