كى لا نقول ليسرا:جيم أوفر
كتبت : منال عثمان
لكل زمن أهله ومعالمه وملامحه وطريقة تفكيره وأساليب وسلوكيات ومفردات ناسه .. وفنه خاصة الكوميدى منه، فالكوميديا ككتابة صعبة جداً خاصة كوميديا الموقف التى تتطلب فى كتابتها وأدائها دائما أشكالا وأنماطا مغايرة ومختلفة ومتجددة وإلا وضع صانعوها فى قفص الاتهام بتهمة التكرار .. فما كان يضحك أهل جيل الخمسينيات أو الستينيات أو حتى السبعينيات لايمكن أن يكون جالباً لضحك هذا الجيل الحالى وإن كان هناك استثناءات طبعا كإسماعيل ياسين الذى كان له طرقه الخاصة فى الأداء أو إلقاء الإفيه والتى جعلت نجوميته تمتد حتى الآن
لو توقفت أمام كوميديا الموقف الذى كان يؤديها النجم الراحل وكانت تضحك الناس بل وتقنعهم تجدها عاصية على المنطق لو حاولت أن تضعها فى إطار يقنعك الأن.. مثل خروجه من المدخنة بوجه أسود أمام ليلى مراد فى فيلم «ليلى بنت الأغنياء» أو سقوطه من على السلم وعودته بنفس الطريقة (الشقلبة) فى إسماعيل ياسين فى الطيران أقصد البعد عن المنطقية فى صنع الإفيه أو الحدث الكوميدى على الشاشة لكن كان مقبولاً منه ومن فؤاد المهندس ومحمد عوض لأن ما قدموه كان فى الإطار الكوميدى السينمائى الذى لا يلزم عقلك كثير وأنت تشاهده فى هذه الأوقات البعيدة فأنت تشاهد لتتخلص من همومك فهذا الشكل الكوميدى الذى كان مقبولا ما .. لايمكن قبوله فى هذه الآونة .. بعد أن ارتفعت درجة العطاء الكوميدى وانحازت للمنطقية وأصر نجوم الضحك فى الفترة الأخيرة أن يعتمدوا على الفكر أو النمط الإنسانى أو الأخذ من الواقع حولهم، وأقول نجوم الكوميديا وليس نجوم الاستهبال فحملت الكوميديا على عاتقها طوال السنين القليلة الماضية لواء تواجد السينما بعد اختفاء تقريبا معظم الألوان السينمائية الأخرى ماعدا أفلام الحركة، وفجأة خرج علينا فيلم يحمل كل ألوان الطيف من عدم المنطقية التى كانت تعتمد عليها كوميديا زمان مثل طاقية الإخفاء و«الفانوس السحرى» والمقالب السينمائية غير المحبوكة التى حفلت بها العديد من الأفلام التى تعتمد على شخص وغريمه وكل منهما يحاول إيذاء الأخر بأى شكل .. أى كان وضعهما رجلان يتشاجران على امرأة أو امرأتان تتعاركان على رجل ... فى فيلم (چيم أوفر) امرأتان إحداهما أم شاب والأخرى حبيبته والجانب الأثقل الذى يشجع أن أحد طرفى العلاقة هى النجمة يسرا بكل نجوميتها تقدم كوميديا .. وتضع خبرة السنين تحت آمرة الهيكل الإنتاجى المتهم دائما (السبكى) والمخرج أحمد البدرى.. ثلاثى لو كان فى زمن آخر ما كان يمكن اجتماعه فيسرا كانت تغرد فى سرب سنين طويلة وللحق كانت أبرز طيوره .. ومع ذلك فى رأيى غامرت ودخلت هذه التجربة ولعبت دور (لقاء) الإعلامية الشهيرة صاحبة التاريخ الطويل والحادة التعامل .. صعبة المراس التى تفقد أعصابها على أتفه الأمور وهى أم لشاب اسمه «عمرو» يعمل ضابطاً بحرياً ولعب الدور المطرب محمد نور والذى كان يقضى أجازته فى أحد الفنادق وهناك يتعرف على «ندى»، مى عزالدين عاملة النظافة والغرف والسرفيس فى هذا الفندق ولأن الحب لايعترف بالبيانات الشخصية يرتبط الشاب بالفتاة ويقرر أن يتزوجها لكن كيف ووالدته لقاء هانم الاسم الشهير وعائلته وظروفه ، ومع هذا يعرفها بوالدته التى تغضب عندما تعرف ظروف الفتاة وعملها وتضمر فى نفسها أن تقضى على هذه العلاقة وتنتهى أجازة «عمرو» ويحين موعد عودته لعمله وتطلب منه والدته أن تعيش معها «ندى» فى الفيللا وتوهمه أنها أحبتها وتريد الاقتراب منها أكثر ، ومن هذه اللحظة بعد أن تعيش المرأتان معاً يبدآن الحرب الشعواء والتى ما أنزل الله بها من سلطان ومقالب عنيفة تبعد تماما عن منطقية الحدث .. ويملأ الدخان وجه «مى» مرة وتوضع «يسرا» فى قالب أسمنتي وتهال عليها الأتربة مرة فى مشاهد يصعب بروزتها فى أى براويز منطقية ويجوز هذا التخلخل السينمائى والتمادى فيه سببه أن الفيلم قصة وسيناريو وحوار اثنين من المؤلفين مصطفى عمار ومحمد القواشطى ويبدو أنهما دخلا فى منافسة عنيفة معاً فى كتابة هذه المشاهد واضطر المخرج أن يأخذها كلها حتى لايغضب أحداً .. فهى منافسة أكثر منها تعاون على خدمة هذه المشاهد كتابيا ..
ويعود الشاب «عمرو» من عمله ليحدد موعد الزواج لكن الأم تقرر أن تنفذ آخر مقالبها بأن تقدم فيديو فى ليلة الزواج فيه لقطات مجمعة للفتاة «ندى» أثناء عملها كعاملة نظافة فى الفندق وتكون هذه القشة التى قصمت ظهر هذه الزيجة .. فتقرر الفتاة أن تنهى علاقتها بالشاب وتخرج من حياة هذه الأسرة ... وتشعر «لقاء» بفداحة تصرفها ومدى خطئها فتذهب إليها فى عملها وتطلب عودتها إلى ابنها .. غنت يسرا مع «مى» فى هذا الفيلم أغنية «حقى برقبتى» والحقيقة أن هناك من يميل لصوت يسرا منذ قدمت (روح للنالس ياحب) وأغانيها فى أفلام الوردة الحمراء ودانتيللا وغيرهما .. فهى كما عرفناها دائما تعتمد على احساسها حتى فى الغناء .. لكن فى هذه الأغنية . نزعتها التى قادتها للكوميديا المبالغ فيها طغت على احساسها الذى هو عامود حياتها الفنية كلها ، لقاء جيلين فى هذا الفيلم يسرا ومى .. لم يستفد أى منهما من الأخر ، فلم تستفد مى من خبرة يسرا وتاريخها ولم تستفد يسرا من مى ولعلها كانت لابد أن تحسبها جيدا قبل أن تدخل عالم (السبكية) السينمائى حتى ولو كان آخر أفلامها منذ خمس سنوات مثلا .. فاشتياقنا لايجعل قدمنا تنزل .. فيسرا كائن سينمائى من الدرجة الأولى صحيح توجهها الآن تليفزيونى .. لكن كلنا نعرف أنها تعشق السينما لدرجة أنها ممكن أن تقدم مشهدا واحدا فى فيلم دون تأفف أو ضرر كما حدث فى فيلم «معالى الوزير» مثلا .. وقد شاركت فى فيلم (18 يوم) الذى قدم عن ثورة 25 يناير بمشاهد قليلة .. تصورها البعض تأكيدا منها على دعمها للثورة .. وقد يكون .. لكن فى السينما عندما تعجب يسرا بدور لا تسأل عن شىء ولا أتصورها معجبة بهذه المغامرة غير المحسوبة لكنه الاشتياق للسينما الذى جعلها تغض الطرف عن كل شىء ... وقد لعبت الدور بخروج تام عن مألوفها السينمائى لكن طبعا لم تفقد أبجدية الإجادة .. أمامها «مى» فى اجتهاد ملحوظ تحاول أن تعوض فترة البعد بعد البطولات الكوميدية التى لم تضعها على (التراك) فكانت هذه المحاولة.. أما المطرب «محمد نور» فهو الحقيقة لزمه الكثير من فترات التدريب على الوقوف أمام الكاميرات السينمائية ونزع (الخفة) الموجودة فى عينيه والقيود التى كبلت انطلاقه .. فلم تظهر أى بوادر تؤكد نجاحه فى دنيا التمثيل ونتمنى لو خاب ظننا هذا فى العون السينمائى كما هو دائما ليسرا ، كان عزت أبوعوف الذى لعب دور الصديق والحبيب الذى يحاول أن يكبح جماحها دائما .. ولو لنا ملحوظة فى هذا الفيلم ستكون من الناحية الإخراجية فأحمد البدرى هذه المرة متجدد ، له زوايا جديدة .. تشعر مجهوده فى إدارة الممثلين والتأكيد على مفردات كل شخصية بمبتكرات إخراجية فقد ازدادت خبرته .
وفى لمحة خاصة تذكرت اللقاء الذى تم بين يسرا ومى من عشرة أعوام فى مسلسل «أين قلبى» ولعبا دور الأم وابنتها ... واستشعرت الهوة الشاسعة بين العملين والشخصيتين .. وتمنيت لو أن يسرا لا تعاود الرهان على تاريخها ونجوميتها مرة أخرى ولا تنساق بأى شكل .. حتى لانضطر أن نقول لها يوما ... عزيزتى يسرا (چيم أوفر) .
ساحة النقاش