بروتوكولات البعد والقرب
لو سمحتابعد وانت بتكلمنى
أتعرف لماذا ؟ لأنه فى هذه الحالة يكون قد تعدى حدوده النفسية معك، واقتحم دائرتك النفسية غير المسموح له بالاقتراب منها
تناول علماء النفس مسافاتنا النفسية التى تحيط بنا وجعلوها ثلاث دوائر غير مرئية، حيث الدائرة الأولى تمثل امتداد ذراع، وهى أهم منطقة عند الإنسان لايسمح بالاقتراب
منها واقتحامها إلا من أقرب المقربين وهى المسافة التى تؤكد مراسم البروتوكول فى العالم ضرورة عدم اختراقها فى الاستقبالات الرسمية أما الدائرة الثانية فهى أوسع من الأولى
بما يشكل ذراعا ونصف، فى هذه الدائرة يسمح الإنسان للجيران وللأصدقاء والمعارف وزملاء العمل بالاقتراب ولا يضايقة اختراق هذه المسافة.
ثم تأتى الدائرة الثالثة وهى الأوسع وتمثل حوالى 2متر من محيط الإنسان، وفيها يتعامل مع الغرباء وعلى هذا الأساس تصبح هذه الدوائر مهمة جدا لمراعاة أصولها إذا ما
أردنا توازنا نفسيا فى حياتنا، وهو ما نفعله غالبا دون أن نشعر... فمثلا علاقاتنا بأبنائنا لابد أن تأتى فى الدائرة الأولى، حيث الاحتضان والمشاعر، فإذا كانت علاقة الأبناء بآبائهم
أو الزوجات بأزواجهم تقع فى الدائرة الثانية فهو مايعنى الخلل فى العلاقة حيث تفتقد المشاعر المهمة لبقاء هذه العلاقات بشكل صحى... لكن لن تبقى دائما العلاقة فى الدائرة
الأولى، فيمكننا أن نلاحظ أنه فى حالة اتخاذ القرارات فى الأسرة يتم اللجوء للدائرة الثانية حيث جدية التناول والنقاش العقلى، لذلك لو حاولت التأثير على أبنائك بأن تضمهم
لدائرتك الأولى الحميمية وأنت تناقش أمراً عقلانيا مصيريا فأنت بهذا الشكل تؤثر على قرارهم وقد تبتزهم عاطفيا مما يجعلهم منساقين لرأيك ومما يؤثر على نتائج هذا الأمر
الذى تناقشه معهم، وهو أمر يلجأ له الأزواج والزوجات كثيرا دون أن يشعروا عندما يريد أحدهم التأثير فى قرار الآخر، ومن ينتهج هذا الأسلوب إنما يغفل أنه سيحقق نتيجة
فورية مرضية له، لكن على المدى الطويل سيشعر الطرف الأخر أنه تم ابتزازه بالعاطفة...
والدائرة الأولى لاتعنى المشاعر الإيجابية فقط لكنها تعنى أيضا العدوان، فعندما يتشاجر إثنان، يبدأ الشجار من خلال الدائرة الثانية، لكنه عندما يتطور بشدة يدخل فى
التشابك وهو اقتحام الدائرة الأولى الحميمية والتى تصبح فيها الغلبة لمن بدأ بالهجوم فى معظم الأحيان...
إننا ندافع عن دوائرنا دون أن نشعر، وهو ما نلاحظه مثلا إذا جمعتنا الظروف فى أماكن ضيقة مع الغرباء، فى الأسواق المزدحمة مثلا، فى المصاعد، فى مقاعد وسائل النقل،
إننا عندما نشعر بأن هناك من دخل دائرتنا الحميمية نحاول أن نضع الحواجز، فإما نعطى ظهورنا مثلا، أو نرتدى قناع الجدية ليشكل حاجزا وهميا، أو نحتضن حقائبنا، أو نعقد
اليدين فوق الصدر، إنها محاولات لوضع سياج وحاجز بيننا وبين الغرباء...
وقد يمكننا فهم الأمر بشكل أكبر عندما نلاحظ اهتمام الشاب بسيارته واهتمام الفتاة بغرفتها، فالشاب يعتبر سيارته هى دائرته الخاصة جدا وهو يضع فيها كل مايشعره أنه
فى مكان ينتمى إليه ويحبه، ولايسمح لأحد باختراق هذه الخصوصية أبدا، نفس الشىء للفتاة فى غرفتها فهى تعتبرها مملكتها، وإذا كانت تقاسم أخواتها نفس الغرفة فسريرها
هو منطقتها الخاصة التى لاتسمح باختـراقهـا لمــن لا تــرتـاح إليه وإذا لم تجد الشاب يهتم هذا الاهتمام بسيارته فلابد أن تدرك فورا أنه يعانى بعض المشكلات فى منظومة الانتماء
لديه، ونفس الشىء للفتاة، فإذا لم تجدها تقدس غرفتها أو سريرها فهناك بعض الخلل فى انتمائها لأسرتها ومحيطها...
أما الأكبر سنا فيمكننا أن نلاحظ مشكلات انتمائهم من خلال غرفة المكتب بالنسبة للعاملين، فإذا وجدنا مجموعة من الزملاء فى غرفة واحدة، سندرك من كل مكتب من
ينتمى لعمله أكثر ويحبه أكثر من خلال وضعه لبعض الصور الفوتوغرافية على مكتبه، وضع قنينة جميلة يعتز بها، اهتمامه بأصيص زرع يزين مكتبه وهكذا...
سنعرف أيضا مدى ارتباط الرجل ببيته إن كان له ركن يخصصه لنفسه ويضع فيه كل مايشكل لديه انتماء لهذا المكان... لذلك من الخطأ أن تتعنت الزوجة مع زوجها بحجة
النظام والترتيب وتمنعه من خلق جو فى بيته يشعره بالانتماء، فلا أقل أن يكون له ركن خاص به يمارس فيه هواياته ويضع كل مايجعله يشعر بالراحة.
وعلى هذا الأساس يضع علماء النفس بعض الإرشادات التى تساعدنا على حياة أفضل اعتمادا على نظرية الدوائر المحيطة بنا...
l حاول بقدر إمكانك ألا تقتحم الدائرة الحميمية لمن لاتعرفهم بحجة أنك تريد إذابة الجليد، فهذا التصرف قد يجلب عكس ما ترجوه حيث سيشعر من أمامك أنك تجاوزت
فيبدأ بالابتعاد والإحساس بالخطر مما يعرقل التواصل الجيد بينكما.
l فى الحوارات الرسمية حافظ على مسافة لاتقل عن ذراع حتى تربح الجولة، فتقريب المسافة بين المتحاورين يلغى الفكر ويعوق انسياب المعلومة بشكل إيجابى.
l أى بيت تدخله لابد أن تراعى فيه سلوكيات معينة حتى تصبح ضيفاً مرحباً به، لابد أن تعرف أن المنزل يعامله الإنسان كما يعامل جسده، بمعنى أنه هو الآخر له دوائره
التى يجب أن تراعى طقوس الدخول إليها، حيث مدخل البيت هو الدائرة الأوسع والمصرح بها للغرباء، ثم حجرة الاستقبال وهى دائرة أقرب من حق ضيوفنا الذين نختارهم أن
يدخلوا إليها، ثم تأتى حجرة الطعام للأصدقاء، بينما حجرة النوم هى المنطقة الخاصة جدا والتى لايسمح بدخولها إلا لأقرب المقربين. لذلك فعندما تصبح من المصرح لهم
بالجلوس فى الردهة فحاول ألا تجلس فى مقعد يكشف مناطق البيت، وأحرص ألا يمتد بصرك لأى ركن فيه حتى تحافظ على وقارك فى عين مضيفك ولا تتجول بنظراتك فى
المكان حتى لاتشعر صاحب البيت بأنك مقتحم...
l إذا كنت تعيش مشكلة مع أحد أبنائك أو زوجتك أو زوجك، فحاول اصطحاب من تجمعك المشكلة به إلى مكان عام، واحرص قدر استطاعتك ألا تناقش المشكلة فى المنزل،
حيث المكان العام يجعلك مقدراً أنك أمام الغرباء لذلك ينضبط سلوكك أكثر وسلوك من تحاوره حفاظا على الشكل العام، ويصبح الحوار العقلانى أكثر حضوراً من الانفعال الذى
يطفى حوارتنا عندما نمارسها فى منازلنا.
l فى التجمعات حاول بقدر إمكانك ألا تنساق لرأى الجماعة إلا بعد تفكير عميق، حيث الانسياق وراء السلوك الجماعى قد يفقدك استقلاليتك ويجعلك تأتى بأفعال لم
تكن تتخذها لو كنت وحدك.
l إذا كانت هناك مشكلة بينك وبين أحد أصدقائك فلا تحاول حلها لا فى بيتك ولا فى بيته، فوجود الإنسان فى بيته يجعله أكثر إحساسا بالقوة ويجعل الطرف الآخر أكثر
إحساسا بالضعف، ولو كان الحق معك وتناقش المشكلة فى بيتك فقد يعتريك الحرج لأنك المضيف تخسر نقاطا كثيرة لأنك وقتها ستصبح مضطراً للتنازل...
إن الدوائر المحيطة بنا تشكل مسافات وهمية بيننا وبين الآخرين، لكننا عندما نفهمها ونتعامل معها بشكل سليم نحقق توازناً يعيننا على حياة أفضل، فهى مياهنا الإقليمية التى
تلتف حولنا، ولابد أن نراعى قوانينها إذا ما أردنا علاقات ناجحـة فى الحياة
ساحة النقاش