حتى فى عصر الفضائيات لا غنى عن

مسحراتي رمضان

 

..عن مهنة المسحراتى يقول ا.د.عبد المقصود الباشا، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر:ارتبطت مهنة المسحراتى بهذا الشهر الكريم ويمكن القول إنها منذ عهد الرسول حيث كان بلال بن رباح رضى الله عنه ..أول مسحراتى فى التاريخ الاسلامى إذ كان طوال الليل يجوب الشوارع والطرقات لايقاظ الناس للسحور بصوته العذب وكان المصطفى يقول "ان بلالآ ينادى فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم هو الذى يتولى أذان الفجر ..ومنذ ذلك التاريخ أصبح المسحراتى مهنة رمضانية ..وقد أشتهر من ارباب هذه المهنة الزمزنى،فى مكة حيث كان يصعد الى المئذنه ليعلن بدء السحور حاملآ قنديلين كبيرين كى يشاهده من لا يسمع النداء، وظهرت هذه المهن فى العهد الفاطمى فى خلافة الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي أصدر أمراً بأن ينام الناس بعد صلاة التراويح مباشرة وكان جنود الحاكم يمرون على البيوت يدقون الأبواب ليوقظوا النائمين للسحور، أما أول مسحراتي فعلىّ في مصر فكان «عتبة بن اسحق» والي مصر أيام الفتح الإسلامي وكان يخرج بنفسه في مدينة الفسطاط لتسحير الناس وهو يردد «يا عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة»، وإن كان «السحار» ظهر بسرعة في المجتمع الإسلامي فإن «التسحير» لم يصبح حرفة إلا في بغداد زمن الدولة العباسية حيث ابتكر البغداديون فن الحجازي وفن «القومة» وهما من فنون الأدب الشعبي والقومة بالتحديد كان مختصاً بالغناء في سحور رمضان وإن كان التاريخ لم يحفظ لنا منه إلا نماذج قليلة معظمها منسوب لصفي الدين الحلي وموضوعها التسبيح والابتهال، وكان سحار بغداد يستعين بمختلف الآلات الموسيقية في عمله، كما اختص بعض السحارين بمنزل الخليفة وأهل بيته وفي زمن الملك «الناصر» ظهر في مصر أول سحار محترف وهو «ابن نقظة» الذي اختص بتسحير الملك الناصر ثم خلفه ابنه في مهمته وحتى عهد قريب كان المؤذن في الريف يصعد المئذنة لتنبيه الناس إلى موعد السحور بالإضافة إلى المسحراتي التقليدي الذي يقرع «البازة» ـ وهي عبارة عن طبلة صغيرة ـ بقطعة من الجلد، مع نداء منغم على سكان الحي أو الشارع وذكر ألقابهم وأسماء أولادهم بكثير من المبالغة والمجاملة أملا في مكافأة يحصل عليها مع أول أيام عيد الفطر المبارك.

أذكار

وبدأ المسحراتي الجواّل فعلا في ترديد الأدعية كما يقول محمود أبو المكارم الذي ورث التسحير عن والده بحي امبابة والذي يمارسه الآن خلال الشهر الكريم.

«أبو المكارم» مسحراتي قارئ وداع قال إن أباه حكى له أن مسحراتي زمان كان ينشد القصائد التي يذكر بها النائم على أربع مرات في الأولى يقول «أيها النوام قوموا للفلاح واذكروا الله الذي أجرى الرياح.. إن جيش الليل قد ولى وراح وتدانى عسكر الصبح ولاح.. اشربوا عجلى فقد جاء الصباح»، وفي التذكير الثاني يقول «تسحروا رضي الله عنكم.. كلوا غفر الله لكم.. كلوا من الطيبات واعملوا الصالحات».

أما في التذكير الثالث فيقول: «يا مدبر الليالي والأيام يا خالق النور والظلام.. يا ملجأ الأنام ذا الجود والإكرام»، وفي المرة الرابعة ينادي «كلوا واشربوا وعجلوا فقد قرب الصباح واذكروا الله في القعود والقيام وارغبوا إليه تعالى بالدعاء والثناء».

,ويضيف ابو المكارم :أما الآن فيكتفي المسحراتي بدق الطبلة قائلا: «يا عباد الله وحدوا الله» ويفرح الأطفال في الشارع وأغلبهم يحرص على السهر لمشاهدته وترديد كلماته.

مسحراتى القرية

يقول الحاج محمد وشهرتة ديب: الحوال تغيرت كثيرا عن الماضى فقد مر أكثر من 50عاما على وانا أعمل فى تلك المهنة ، فى بادىء الامر انتظر حلول موعد أذان المغرب بربع ساعة لأصعد الى سطح المنزل أراقب صعود مؤذن المسجد وما أن يضع مِؤذن المسجد يده على أذنه ليعلن:الله اكبر…الله اكبر,أطير الى الطبلة فاضرب عليها عدة ضربات،فيهرول الأطفال والشباب الىبيوتهم ليخبروا الأهل بآذان المغرب,وبالتأكيد هذا الدور للمسحراتي وقت الإفطار تلاشى تماما الآن مع ظهور الميكرفونات وانتشارها في المساجد.

وعن الصيغة التى ينادى بهاالمسحراتى يقول الحج ديب:تختلف الصيغة من مسحراتى لآخر فمنهم من يقول: يا عباد الله…وحدوا الله، اصحي يانايم..وحد الدايم، أما إذا كان مسحراتي مخضرما فإنه ينشد:

اصحى يانايم وحد الدايم

ياللا يابوسيد يازين الملاح

لا الشمس تطلع في كل صباح

قوم يا حسان اتسحر قبل الأوان

وأنت يابو صفاء الحق نفسك قبل ما يدن حي على الصلاة

صلوا بينا ع النبي كل ساعة

زين الشفاعة يا مؤمنين

اصحى يانايم اصحى

وحد الدايم..وحد الله.

ويضيف ديب قائلا:لم أكن أسير وحدى ولكن كان يسير معى عدة شباب يمسك أحدهم بالفانوس والى جوارهم شاب آخر يمسك بعصا غليظة لزوم ضرب الكلاب الضالة التي تقتحم الموكب، وهكذا حتى يأتى يوم العيد اسير فى الشوارع وخلفى الأطفال في موكب كبير مليء بالبهجة،وتتبعنى زوجتى وهي تحمل قفة كبيرة فيخرج الأهالي إلي بأطباق الكعك والبسكويت وقليل من المال ولا أنسى أن أقول لكل من يخرج إلي "كل سنة وانتم طيبون".

ويذكر الحاج ديب أحد النكات المأثورة عن المسحراتى قائلا:ومن طريف ما يذكر أن أحد المسحراتية فوجئ ذات ليلة بطبلته مقطوعة،فامسك بغطاء حلتين وسار يضرب بهما بدلا من الطبلة,ويضيف مهنة المسحراتى ليس كما يعتقد البعض انها مهنة من لا مهنة له، بل هى مهنة قد يمتهنها موظف في إحدى الجهات الحكومية أو بقالا أو نجارا أو يمتهن أي حرفة أخرى، وهى مهنة يتوارثها الآباء عن الاجداد ويورثونها للابناء

تطور

وعن انتقال المسحراتى للراديو والتليفزيون يقول د.محمد هاشم الشريف، أستاذ الاعلام بجامعة الازهر -: فى عام1964م التفت الراديو والتليفزيون إلى المسحراتي،فالتقطه الراديو في البداية وقدمه بصوت سيد مكاوي وكلمات الشاعر فِؤاد حداد فأضاف بعدا اجتماعيا وسياسيا الى فن التسحير من بينها على سبيل المثال:

حيوا الوطن في الغيط أبوا الفدادين

وفي حصة العربي ودرس الدين

حيوا الوطن في الجبهة والميادين

يوم الجهاد الكل مجتهدين

وتعملوا مثل ما تقولوا

حبوا الوطن اشقوا له

لولا العرق ما كنش نور الجبين

ولما انتقل المسحراتي إلى التليفزيون،أصبح هو مسك الختام للإرسال التليفزيوني في رمضان أيام كان الإرسال ينتهي في منتصف الليل،أما الآن ومع امتداد ساعات الإرسال طوال ال24 ساعة وعادة المصريين وحبهم للسهر في ليالي رمضان،اختفى الدور الحقيقي لمسحراتي الشارع..ولكنه يظل مظهرا رمضانيا وتقليدا لاغنى عنه للمصريين في عصر التليفزيون والدش .

 

المصدر: مجلة حواء
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1006 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,818,533

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز