من المفسد ومن المصلح ؟

كتب : محمد الحمامصي

ما الفرق بين أن تفجر رأسي بالرصاص وبين أن تحرمني من التخيل والتفكير والتأمل والتحليل والتعبير بحرية؟ ما الفرق بين أن تلغم جسدي وتنسفه وبين أن تستوقفني في الطريق العام معترضا على حريتي الشخصية في ملبسي ومطالبا بتحجبي أو انتقابي؟ ما الفرق بين الاعتقال بين أربعة جدران وممارسة كل أنواع التعذيب من قهر وحرمان وظلام وبين الاعتقال الفكري والنفسي والجسدي بالحصار وإغلاق أبواب الحرية في وجهي؟.

إن إرهاباً منظماً لفظيا وسلوكيا جديداً يمارس الآن في مصر يتم وفقاً لإرادة تتخذ من الدين تارة ومن الصراع السياسي والفوضى تارة ومن الغلبة والأغلبية تارة أخرى متكأ ومرتكزا ووسيلة لدفع الناس قهرا وعدوانا وتنكيلا على الاستسلام والخضوع والرضوخ لأهواء ومصالح بعض الفئات.

إن التحدث باسم الدولة بات ملكا لكل من هب ودب، مسئولا كان أو غير مسئول، وأصبحت التصريحات الملغومة أحيانا والمغرضة أحيانا أخرى تصب على رؤوسنا دون هوادة أو رحمة على مدار الساعة، ممارسة القهر على بعضها بعضا وعلى المجتمع بأسره، أصبحت تثير الكثير من القلاقل والاضطرابات والتساؤلات حول حقيقة من يحكم، شخصيا لا أدري، شخصيا أتابع على مدار الساعة تقريبا كل ما يقوله هذا وذاك من هذا الفصيل السياسي أو ذاك، الكل رئيسا، الكل مسئولا، الكل يمارس صلاحيات ليست من حقه، وأؤكد "لا أدري ما يجري أو يحاك ضدنا".

إن هذه التصريحات للأسف يتلقفها بعض مؤيدي هذا الفصيل أو ذاك ليتم العبث بها على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، لتدفع للبلبلة والانقسام وتثير الأحقاد والضغائن وتدعو للفرقة والتشاحن، الأمر الذي لم تسلم معه العلاقات حتى بين الأهل والأصدقاء.

أعترف أن الأمور صارت أكبر من أن تفهم، وأن التدخلات المباشرة وغير المباشرة من هذا الفصيل أو ذاك "تزيد الطينة بلة" بل تغرقنا في طوفان من التوقعات المتشائمة والمحبطة، خاصة أن هذه التدخلات تدخل ـ من جانب ـ في باب الإقصاء والقمع والتهميش والطعن والتخوين، ومن آخر السيطرة والاستحواذ والإتباع سمعا وطاعة.

ومن نتائج هذا الصراع الذي لا يحترم الوطن وأهله وأمنه أن بدأ يمتد إلى المساس بالأمن القومي المصري من خلال التعرض بالتشكيك في مؤسسات يقع عليها حفظ وحماية هذا الأمن، ويعقد المصريون عليها آمالا عريضة في الحفاظ على نسيج وحدته.

أيضا من نتائج هذا الصراع: التعرض بالتشويه لأشخاص عامة ومسئولة ذات حساسية خاصة والدس والخوض في أعراضها انتهاكا لخصوصيتها، وهذا ليس من أخلاق المصريين أن يأكل بعضهم بعضا ميتا من أجل سلطة أو البقاء فيها.

إن فارقا شاسعا بين أن تنقي الثوب من الدنس وبين أن تمزقه إربا أو تحرقه أو تصبغه بلون آخر، وهذا ما تسعى إليه بعض فصائل تيارات الإسلام السياسي التي كما يقول المثل "كانت في جره وخرجت لبره"، لم تتمهل حتى تستقر أوضاع المصريين الاجتماعية والنفسية جراء ما وقع خلال عام ونصف منذ اندلاع الثورة، بل أخذت من فورها وعقب إحساسها أن البلد في قبضتها رئاسة وبرلمانا وشورى في تهديد مؤسسات الدولة قضاء وصحافة وأزهر وإعلاما واستثمارات وأمنا اجتماعيا، ساعية سعيا حثيثا نحو تفريغ الدولة من مفردات تاريخها وثروتها الوطنية والاجتماعية وما يستتبع ذلك من إهدار كوادر وخبرات كانت تأمل أن يتحول صبرها وتحملها للإقصاء والتهميش من النظام السابق وتضحياتها في الثورة إلى طاقة عمل ومشاركة في بناء مصر الجديدة، لتفاجأ أنها تعاقب على اعتبار أنها كانت جزءا مما مضى.

إن هناك من يلومنا على تشاؤمنا وخوفنا وإحباطنا وانتقادنا لبعض الأساليب القمعية التي تجري على الأرض، نراها ولا يرونها لأنها جزء منهم، ولومهم في غير محله إذ نحن المهددين ولسنا مُهددين لأحد، هم من يرفعون علينا سيف القهر باسم الدين وباسم السلطة وباسم التطهير وبأسماء أخرى ما أنزل الله بها من سلطان فعليهم أن يرتدعوا ويردعوا أتباعهم قبل لومنا.

لقد قامت الثورة المصرية بالأساس من أجل الحرية والمساواة، فإذا بها تحصد القمع والقهر والاستعلاء والتسلط بل والتخوين أحيانا لمجرد الاختلاف في الرأي أو الصدام على السلطة، ليتم تطبيق مقولة جورج بوش الابن الشهيرة في حربه على الإرهاب التي استباح فيها بلادا وأعراضا وثقافات وحضارات ومقدرات شعوب، عندما قال "من ليس معنا فهو ضدنا".

وأقول لست معكم، لست مع آرائكم وفتاواكم التي تنتقص من حريتي وتهين عقلي وتسد الطريق في وجهي وتنال من رؤيتي المستنيرة لمستقبل أهل بيتي وأبنائي، لقد أنعم الله علينا إذ وهبنا العقل والاختيار والقدرة على التمييز ما بين الغث والثمين وفتح أمامنا أبواب التدبر والتأمل والسؤال، ومنّ علينا برسوله عظيم تحمي سنته الشريفة نسيجنا الروحي والجسدي وتذكروا قوله الشريف "لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ"، وقوله تعالى "والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم" 

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 681 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,892,263

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز