شعار رمضان..
موائد الرحمن تكافل وتراحم
كتب :محمد الشريف
يأتى شهر رمضان المبارك بنفحاته العطرة ونسماته الطيبة.. يحمل الخير لمبتغية والعفو لمرتجية، وهناك العديد من المظاهر التي ارتبطت بشهر رمضان الكريم في مصر كفوانيس رمضان، ومدفع الإفطار، والكنافة، وسماع الشيخ محمد رفعت قبيل الأذان.. إلا أنه من بين كل المظاهر الحديثة برزت ظاهرة طيبة وجميلة يحرص عليها كل عام أصحاب المقدرة والاستطاعة وهي "موائد الرحمن".التى تؤصل مبدء التكافل الاجتماعي الذى نادى به الإسلام وحث عليه وجعل الشهر الكريم هدية ليقدم خلاله الجميع أفضل ما لديهم .وعن نشاة تلك الظاهرة واثرها فى المجتمع كان ذلك التحقيق
عن بداية ظهور موائد الرحمن في مصر يقول د.عبد المقصود الباشا,استاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر: اختلفت روايات المؤرخين عن نشاة الموائد فمنهم من قال إن المعز لدين الله الفاطمي كان يوصي في شهر رمضان من الإكثار من وضع الموائد في الشوارع والطرقات ببعض المساجد وخاصة مسجد عمرو بن العاص.. ليقصدها الفقراء والمساكين وعابرو السبيل.. وكان يخرج من قصره أكثر من 1000 قدر بها العديد من ألوان الطعام والشراب.
وهناك رأي آخر يقول : إن مائدة الرحمن بدأت علي يد الأمير أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية بمصر.. حيث قام بعد توليه الحكم بعمل حفل إفطار دعا إليه القواد والأعيان وكبار رجال الدولة.. واستمر هذا الأمر في حياته في أول يوم من رمضان.
ويذكر أنه خطب في ضيوفه قائلا ً لهم: "إنني لم أجمعكم حول هذه الأطعمة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس.. وأنا اعلم أنكم لستم في حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب.. ولكنني وجدتكم قد غفلتم عما أحببت أن أوصله لكم وتفهمونه مني.. لذلك إني آمركم أن تفتحوا أبوابكم وتمدوا موائدكم وتهيئونها بأحسن ما تحبوه لأنفسكم فيطعمها الفقير المحروم".
ويضيف الباشا: كان يصل طول المائدة فى العهدالفاطمى الي طول 175م وعرض4م.. وكانت تـُُمد طوال شهر رمضان.. وانتقلت فكرة مائدة الرحمن من مكان إلي مكان.. ومن زمان إلي زمان.. ومن أشخاص إلى أشخاص.. فكانت مائدة الأمير ابن الفرات من أشهر الموائد في مصر القديمة فقد كان يعيش الأمير في حي شبرا.. وكانت له أراض كثيرة تدر عليه دخلاً كبيراً يصل إلى مليوني دينار سنوياً.. فكان يعد موائد يصل طولها إلي 500م.. ويجلس هو علي رأسها وأمامه 30 ملعقة من البلور.. يأكل بكل ملعقة مرة واحدة ثم يستخدم غيرها.
الجزاء والثواب
وعما أعده الله للقائمين على موائد رمضان يقول د.صبرى عبد الرؤف,استاذ الفقة المقارن بجامعة الازهر: من العادات المميزة في شهر الصيام إفطار الصائمين، إبتغاء وجه الله، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ومن فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً" (رواه الترمذى) ومن مظاهر ذلك أن يقوم أصحاب السعة والخير بإعداد موائد في المساجد أو في قاعات المناسبات أوفي الدواوين الملحقة ببيوتهم أو في مقار مؤسساتهم لإطعام الصائمين من الفقراء والمساكين وابن السبيل ونحوهم، وهذا العمل الجليل يدخل في قول الله تبارك وتعالى : "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً " (الإنسان: ويجب أن يكون هذا العمل خالصا لوجه الله ليس فيه أى شيء لهوى النفس مثل الرياء والتفاخر والمظهرية، وهذه العادة العظيمة تساهم في تحقيق التكافل الاجتماعى وتدعم التنمية الاجتماعية.
التطور
خرجت مائدة الرحمن من شكلها التقليدي.. ولم تعد تقتصر علي إقامة سرادق أو بجوار بعض المساجد.. إذ دخلت في مائدة الرحمن بعض الشخصيات العامة.. من باب التنافس علي الخير.
وعن الموائد الخاصة ببعض الأفراد يقول الحاج عبد التواب : تشهد " مائدة الرحمن " هذا العام إقبالاً كبيراً سواء من الضيوف او الساعين الى طلب الجزاء من اللة ,وتختلف نسبة الإقبال من منطقة لأخرى، فتحظى المناطق الفقيرة والمتوسطة بأكبر عدد من رواد تلك الموائد، بينما يكون الإقبال ضعيفا في المناطق الراقية ؛ ولهذا يلجأ راغبي الخير فى إقامة موائدهم في المناطق الفقيرة والشعبية,ويضيف لم يقتصر مصدر المائدة على الاغنياء فقط بل يتسارع المواطنون فى تلك المناطق فى اخراج ما يقدرون عليه.
التسارع للخير
ويقول حمدي خليفة - صاحب إحدى موائد الرحمن بمنطقة مصر القديمة - : إن فكرة إقامة المائدة نبعت من فكرة المشاركة المجتمعية تجاه أبناء المنطقة ، والرغبة في التقرب إلى الله في هذا الشهر الكريم .
وأضاف أن المائدة تقام كل عام منذ ما يقرب من عشرة أعوام ، وأن تكلفتها تختلف من مائدة لأخرى، حسب حجمها والطعام الذي يقدم فيها ، مشيرًا إلى أن الجميع يسعى إلى أن يقدم أكثر مما يستطيع لضيوف الرحمن، و أن العمل على المائدة يستمر من منذ صلاة الظهر وحتى قرب صلاة المغرب، وذلك من أجل العمل على تحضير المأكولات والمشروبات ، إلى جانب تقديم خدمة أخرى ، وهي تغليف بعض من الطعام لمن أراد أن يأكل في بيته أو لمن يملك عائلة ولا تستطيع الحضور.
ويقول "محمد عبد العال" - أحد القائمين على مائدة الرحمن بمنطقة المنيل : إنه يأتى بعد صلاة العصر للمشاركة في إعداد المائدة ، ووضع الطاولات وتهيئة المائدة لاستقبال زوارها تطوعًا منه ، إلى جانب خدمة ضيوف الرحمن بتقديم الإفطار لهم ، وقضاء حوائجهم من ماء وغيره ، مشيرًا إلى أنه يتقرب إلى الله بهذا العمل في الشهر الكريم ؛ أملا في الحصول على العفو والرضا الإلهي-
ضيوف الرحمن
ويجيب أحد رواد الموائد الرمضانية عن سؤالنا له ألا تشعر بالخجل من إفطارك على مائدة الرحمن فيقول: بالعكس تماماً لأن هناك العديد من الناس غيري..كما أن الكرم الشديد من أصحاب الموائد ورغبتهم الملحة في إطعامنا من طعامهم يرفع عنا الخجل من الأكل في موائد الرحمن.
أحد المتواجدين لتناول الافطار يقول: أعمل فى الغردقة وأثناء رجوعي إلي بيتى كنت فى عجلة من أمرى وفوجئت في الطريق أمام إحدى القرى التى تبعد عن قريتى ببعض الكيلو مترات بمجموعة كبيرة من الشباب والرجال يقفون في منتصف الطريق.. ويقطعون الطريق علي السيارات ولم نعرف بعد السبب، ,فقد وقفت السيارة التي كنت أستقلها وطلبوا منا النزول حتى ظننا أن فرافيرو(مسجل خطر تم القبض علية)رجع تانى.. وطلبوا من سائق السيارة أن يوقفها جانباً واستطلعنا منهم الخبر.. فعلمنا أنهم يقومون بعمل مائدة للإفطار كل رمضان حتى ينتهي الشهر.. ويفعلون ذلك مع كل من يمر بهم من المسافرين وقت المغرب.
وحاولت إقناعهم أنني قادم لتوي من السفر وأهلي في انتظاري على أحر من الجمر بعد غياب اكثر من شهرين عنهم.. ولكنهم لم يقتنعوا بشيء من ذلك.. وألحوا على كل من في السيارات المارة بهم أن ينزلوا منها لتناول الإفطار في مائدة الرحمن الكبيرة التي يعدونها.. وفعلا تناولنا الإفطار
ساحة النقاش