كتبت : أمل مبروك
أعتقد أننا أحوج ما نكون هذه الأيام إلى استرجاع روح الصبر والصمود التى ظهرت في اكتوبر1973، للقضاء على اليأس والإحباط الذى يأكل من همم البعض منا، بسبب تلك الأصوات المذعورة التى تصرخ من تأخر تحقيق أهداف ثورة 25يناير .. ففى مثل هذا الوقت من كل عام نستعيد اللحظة التاريخية التى أثبتنا فيها أننا قادرون على صنع ما يشبه المعجزة العسكرية والملحمة الوطنية والقومية في الدفاع عن حقوقنا والتصميم على استرداد تلك الحقوق، رغم ان كل المعطيات كانت تقول العكس.. ولسنا هنا فى مقام المناقشات البائسة التى تثار من عام إلى آخر حول ما إذا كانت حرب اكتوبر قد قامت بهدف تحريك العملية السياسية، أو ما اذا كان النصر جزئيا، أو حتى كونه ضاع هباء فى دهاليز التسويات السياسية، لكن كل ما يعنينا هو استعادة روح أكتوبر وروح ال 18 يوما الأولى للثورة عندما انصهر الجميع في بوتقة واحدة .
السلاح الرهيب
كانت الروح المعنوية العالية هى السلاح الرهيب الذى أدهش العدو، حينما وجد رجالاً يقذفون بأنفسهم إلى الموت، ويستهينون به طلبًا للنصر أو الشهادة، وكان إيمانهم بعدالة القضية التي يقاتلون من أجلها أكبر حافز لهم على الصبر والصمود.. كل هذه المعاني والقيم هى التى جعلت حرب أكتوبر تنجح فى تحقيق ثلاثة عوامل رئيسية، أولها : الاستخدامات الجديدة للأسلحة الحديثة فى أوائل السبعينات وهذا العامل لعب دورا محوريا فى تحديث التكنولوجيا العسكرية على الصعيد العالمى فى فترة مابعد الحرب وتعديل الكثير من النظريات العسكرية .. وثانيها تأكيد استحالة سياسة فرض الأمر الواقع وإثبات أن الإرادة القوية قادرة على تحقيق مانعتقد أحيانا أنه مستحيل ، أما العامل الثالث فهو تلاحم المصريين جميعا شبانا و شابات ورجالا ونساء من كل طبقات الأمة شعبا وجيشا ًجنودا ًوقادة ، ًبل إن الأمة العربية كلها من المحيط الى الخليج تزينت بأحلى صور التضامن والتضافر والوحدة فكان لها هذا النصر المؤزر .. وأتمنى أن يحمل لنا أكتوبر هذا العام أملا قويا فى أن تجتاز مصر صعابها الراهنة لنبدأ مرحلة انطلاق جديدة ترفع طاقات الاقتصاد وتعيد إليه توازنه، ويؤكد أن ثورة يناير سوف تنتصر مهما تكن العقبات لأن العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية هى مطالب كل الشعب، ولأن الذين يعادون تلك المبادئ مهما يكن صلفهم أو عنادهم لن يكون لهم مكان بين شعب جديد ينشد الأمن والرخاء.. وإذا كانت أنظار العالم قد اتجهت إلى مصر بكل الاحترام والتقدير لثورتها العظيمة فإنها تتطلع أيضا إلى مصر التى تبنى مجتمعا جديدا يحقق العدالة والديمقراطية سعيا إلى الحياة الكريمة لكل المواطنين.
نوافذ الحرية
إن طلائع الشباب التى فجرت الثورة يوم 25 يناير 2011 كانت تدعو إلى لغة عصر جديد ينبذ الفساد ويشدد على حقوق الإنسان ويفتح نوافذ الحرية ويستبعد فلسفات الفتنة والعنف ويحض على التعايش الآمن والمنافسة فى مجالات التقدم الإنسانى. وإذا كان هناك من لايزالون يتوهمون أن الثورة يمكن أن تنتكص على عقبيها، وأن المجتمع المصرى يمكن أن يتجه مرة أخرى إلى تبديد جهوده فى صراعات طائفية ودينية وإشعال بؤر التوتر والعنف، فهؤلاء هم الواهمون من بقايا زمن مضى. وإذا كان هناك من لايزالون يتصورون أن وجودهم حتمى وضرورى، وأن أدوارهم خالدة فيتعصبون لرؤاهم ويضفون عليها- زورا- ثوب القداسة والخلود كى يبتلعوا حقوق الآخرين، فهؤلاء أيضا فلول وبقايا نظام دكتاتورى قد مضى وانتهى.
لقد قطعت الثورة شوطا مهما على طريق المستقبل، لكن نجاحنا فى بلوغ أهدافها لا يزال معلقا على أن نحمى مسيرتها من اعدائها ونحافظ على مناخ الاستقرار الآمن الذى تتربص به قوى عديدة تبذل المستحيل كى تعيد عقارب الزمان إلى الوراء، وتدفع بنا مرة أخرى إلى دوامة الفوضى والخلافات.
وللأسف نحن نضع بأيدينا العقبات التى تعوق خطى أقدامنا إلى الأمام، والأجدر أن ننظر إلى مسئوليتنا امام الأجيال القادمة، لا نريد لأنفسنا حكما قاسيا من هذه الأجيال مؤداه أننا أضعنا الفرص وأهدرنا الموارد ودرنا حول أنفسنا فى حلقات مفرغة من التشتيت والتمزق والمزايدة.
إن احتفالنا بذكرى أكتوبر، هو استدعاء أحداث كبرى وحاسمة فى تاريخ مصر، ويتعين علينا جميعا أن تكون مبادئها وقيمتها العظيمة حاضرة فى وعى أجيالنا الجديدة وعقولهم، يستمدون منها إلهاما متجددا، يشحذ الهمم والعزائم، ويعزز فى قلوبهم وضمائرهم قيم الوطنية والانتماء، ويحفظ فى صدورهم الولاء لوطن كريم نبذل من أجله كل غال وعزيز
ساحة النقاش