فى "القدوة الحسنة" علاج لسرطان الفساد
كتب : محمد الحمامصي
حبة الفاكهة الفاسدة في صندوقها، سرعان ما تُفسد ما حولها، وقد تُفسد جميع ما فيه، ما لم نتداركها بالعزل والإبعاد، والفاكهة الفاسدة لا تحتاج لعلامات أو أدلة ولا خبرة عميقة لكي نتعرف عليها، فهي واضحة كالشمس، نعم قد تحتاج جهدا لاستخراجها من قلب الصندوق، وتخليص ما حولها من عفنها الذي ترى فيه الميكروبات الضارة، لكنه ليس بالجهد الكبير إذ سرعان ما تعرف اليد طريقها وتلتقطها وتطردها.
وقد ابتليت مصر منذ زمن ليس بالقصير بالفساد والفسدة، الذين عاثوا في أرضها فسادا، حتى صار الفساد يتم توارثه من جيل إلى جيل، وذلك أن أحدا من أجدادنا وآبائنا لم يتوقف، لم يكافح، لم يقاوم، لينزع الفاسد ويستبعده، ولكن للأسف الكثيرون منهم آثروا السلامة وهربوا إلى جزر معزولة مكتفين بالفرجة، ومنهم من استمرأوا استمراره وضربوا بسهم وافر فيه، والنتيجة وصوله لنا.
وها نحن الآن غير قادرين أولا على اكتشافه لكثرته وتعدد أحجامه وأشكاله وامتداده من أفقر الطبقات الاجتماعية إلى أغناها، ومن أكثر الناس أمية وجهلا إلى أكثرها علما وثقافة ومعرفة، وثانيا في حال اكتشافه فإننا غير قادرين على استبعاده كونه صار كالورم السرطاني، إذا استأصلناه من جزء عاد لينبت في جزء آخر، ليتحول الجسد حفرا مشوهة لكيان خلقه الله تعالى جميلا.
إننا في مأزق حقيقي، إذ أن النسب البسيطة الصحيحة التي لم يصبها الفساد، قد تضطر إن لم يكن اضطرت بالفعل مكرهة أو مجبرة إلى الفساد نتيجة طول مدة وجودها داخل الصندوق الفاسد.
ما الحل إذن؟ أتساءل والسؤال يقتلني، ما الحل؟ المجتمع يتهشم ويزداد تشوها بعد أن رفعت ثورة 25 يناير الغطاء عنه وعرت قبح ما يملأه وما يعربد فيه من خراب؟ كيف نفرز الفسدة ونعزلهم أو نستبعدهم أو نقطع الجزء الفاسد منهم ونستغل الجزء الصحيح؟ ما الحل؟.
الحل أن يكون كل رب عمل أو أسرة أو مجتمع أو مدرسة أو ناد أو هيئة أو جهاز أو مؤسسة وهلم جرا قدوة حسنة لرعاياه، فلا يصح أن يصعد الشيوخ للخطبة على المنابر محذرين ومهددين الآثمين واللصوص والعاصين والكاذبين والمنافقين وهلم جرا من عقاب الله، ثم إذا نزلوا من على المنابر يرتكبون ما حذروا الناس من ارتكابه.
ولا يصح أن يدخل المدرس الفصل فلا يشرح ويكره التلاميذ على الانضمام في مجموعات الدروس الخصوصية الخاصة به، هامسا في آذان الآباء والأمهات أنه يكفل لأبنائهم الحصول على الدرجات النهائية، ليتحول في عيون تلاميذه إلى محتال معدوم الأخلاق والضمير.
ولا يصح أن تسقط هيبة القانون أمام الناس، ويضرب بأحكام القضاء عرض الحائط، استكبارا وغرورا وتسلطا من البعض الذين يتعرضون لأحكام القضاء بالسب والقذف والتشكيك والطعن، حتى ليصبح أمر القانون والقضاء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
ولا يصح لأم أو أب أن يسرق أو يكذب أو ينافق أو يشتم أو يسب أو يرتكب الفحشاء والمنكر أمام أبنائه، ولا يصح لرئيس أو وزير أو مسئول أو راع أيا كان موقعه وأيا كان قدره صغيرا أو كبيرا أن يكون كذابا أو منافقا أو أحمقا أو أنانيا متسلطا أو سفيها أو جاهلا أو أميا أو غير ذي أمانة.
إن الحل إذن أن تكون النماذج التي نختارها للمسئولية والقيادة تتمتع بشروط القدوة الحسنة في كل ما تأتيه من فعل مهما صغر أو كبر، حتى إذا لم يجد الفاسد مدخلا عزل نفسه بنفسه وكفانا مؤونة عزله واستبعاده.
وشروط القدوة الحسنة: الصدق وحسن الخلق، التسامح، الرحمة والرأفة، والطهارة قلبا وقالبا، والإيمان والعلم والشجاعة في الحق، وإنكار الذات والتريث في اتخاذ القرار، وموافقة العمل القول، والعمل بإخلاص وجدية، والتثبت من صحة القول قبل الخوض فيه، ومحاسبة النفس، وغير ذلك من الخصال النبيلة السامية التي تبني وتعمر، تنهض وترقى، تطور وترفع، تحصن وتحفظ.
قد يكون الوصول إلى أصحاب القدوة الحسنة أمرا شاقا وصعبا ومعقدا ومحفوفا بالمخاطر، لكن من يحب مصر ينبغي أن يفعل ذلك مهما واجه وتكبد من صعاب، ولن ينسى له التاريخ فعله هذا.
في "القدوة الحسنة" إذن علاج لسرطان الفساد
ساحة النقاش