كتبت : أمل مبروك

المجتمع منقسم .. لاشك فى ذلك، لكن الانقسام ليس دائما أمرا سيئا، وإنما هو فى أحيان كثيرة شديد الإيجابية إذا كان يتعلق بالتمييز بين الاختلافات وتوظيفها أو استغلالها، لكن النخبة السياسية استغلت اختلاف المصريين لصناعة أدوار لها وللحصول على موطئ قدم فى معادلة الحكم أو على الأقل للبقاء فى الصورة الأساسية التى يراها الناس صباحا على صفحات الجرائد، ومساء على شاشات الفضائيات.فالمجتمع المصرى الذى يحمل عمراً يزيد عن سبعة آلاف عام ، يشكل نسيجا واسعاً وغنياً فى أشكاله وألوانه وخبراته وهو ما ينعكس فى الآراء والاجتهادات والميول.. ولا أعجب أن يصبح كل مصرى فقيهاً دستورياً ومحللاً سياسياً وخبيراً عسكرياً، فهو يعبر عن خبرات حملتها جيناته وأجيال تمتد فى التاريخ امتداد عمر الدولة المصرية.لكن النخبة للأسف الشديد - ورثت عن النظام السابق اهتمامها أولاً بمصالحها وثانيا بمظهرها وموضعها فى أى معادلة، ومن ثم تسعى فى كل لحظة إلى تحقيق انتصار ما على الآخر أو« التعليم عليه » بأنه وقع فى خطأ ما، بغض النظر عما إذا كان الآخر تيارا فكريا شقيقا أو حزبا سياسيا رفيقا أو كل الوطن ذاته، فهذه النخب تفتقد أهم مقومات نجاحها فى قيادة شعبها، وهو قيمة التواضع والشعور بأن الشعب الذى تمثله هو من يأتى أولا لأنه مصدر وجودها وقيمتها، وأن انهزامه لا قدر الله فى معركة التحول الديمقراطى هو انهزام للجميع وعلى رأسهم النخب السياسية.

حالة فريدة

ليس معقولا، فى أى بلد، أن يتحول كل استحقاق وكل حدث إلى معركة يجب أن يكون فيها منتصر واحد، ومنهزمون كثيرون، وآخر تلك المعارك معركة الدستور، والقضاء الإدارى وحكمه بشأن الجمعية التأسيسية، والتوقعات الخاصة بما قد يسفر عنه حكم المحكمة الدستورية .

ما أعتقده أننا أمام انقسام غير مسبوق فى التاريخ المصرى الحديث، إذ أصبحت القوى الوطنية بمكونات إسلامية وليبرالية ويسارية وثورية تتصارع وتناور لإسقاط الجميع إلا نفسها .. دون رغبة حقيقية فى إقامة نظام جديد يشترك الجميع لإقامته .. إنها حالة فريدة تعيشها مصر كل مائتى عام تقريباً، حالة مخاض يعقبها صعود سريع وتطور مؤكد، ومن لا يرى ذلك، فإنه يحتاج أن يضع على عينيه نظارة التاريخ المصرى القديم والوسيط والحديث، فهى سُنة مصرية لا تخطئ ، ولا يمكن أن نهمل، ضمن هذا الزخم الملئ بالآمال والأمانى، إحداثيات القلق التى تساور كثيرين على مآل التحول الديمقراطى والتغير الاجتماعى والتطور الاقتصادى.

كثيرون هم من يدركون مغزى التحول الديموقراطى الذى يحدث فى مصر، وكثيرون هم من يتخوفون عليه أو يخشون منه أو يقلقون من تبعاته. المؤكد هو أن مصر تتغير، وأنها ستختلف عن حالها خلال الثلاثين عاماً السابقة، سواء فى المظهر أو فى المخبر السياسى والاقتصادى والاجتماعى.

قوس قزح

لكن التدافع الذى نراه فى الساحة السياسية ينقصه فقط أن يتخلى عن روح العدائية التى تميز بعض خطاباته، وينقصه أن تدرك كل الأطراف وكل الأطياف أن مصر لا يبنيها فريق ولا يستأثر بها طرف ولا يمكن أن يبتلعها طيف، فهى كأطياف قوس قزح، متعددة وغنية وثرية، وعندما تمتزج معاً تكون لونا واحداً هو الأبيض الناصع، فلا يمكن أن ينهض بهذا الوطن إسلاميون فقط أو ليبراليون فقط أو يساريون فقط، مهما بلغت قدراتهم الحزبية والانتخابية وثقلهم الاقتصادى أو الثقافى أو الدعوى، بل هو يحتاج لأن يتوافق الجميع ويجتهدوا ويتنافسوا دون مخاصمة ويختلفوا دونما خلاف ويتمايزوا دونما إقصاء لأى منهم.هذا التصالح بين أطياف الدولة المصرية والذى بدونه لم تكن لتنجح ثورة يناير ولا أن تستمر، سيجعل بلادنا راسخة متقدمة، ونحتاج فقط أن نقف جميعاً صفاً نرقب الأفق كيف ستكون مصر بعد عدة أعوام من الخير والعمل والإنجاز طالما اصطففنا بكل ألواننا.وأنا شخصيا أحلم بمصر فى المستقبل القريب وقد حققت تحولا ديمقراطيا لا مرية فيه، وأصبح تداول السلطة بين كل الأطياف أمرا مسلما به، وأرى حكومات من كل الاتجاهات تتناوب الحكم دون أن يسعى أى منها إلى الانقلاب على الحقوق والحريات أو أن يعمل على إقصاء فريق، لكنها تتنافس فى اكتساب قلوب الشعب وعقوله بإنجازات متتالية.. تقتسم النجاحات والمشروعات وتتجاذب رؤوس الأموال وتحاول أن توسع من رقعاتها الصناعية والزراعية والإبداعية. ويتحول الطريق من دمياط إلى السويس والعين السخنة إلى عاصمة اقتصادية لبلد عظيم، فتتراص فيه مشروعات صناعية وبتروكيماوية ومحطات للتخزين والتحميل والتجميع، ومركز للتشغيل والتدريب، ونموذج لنهضة مبدعة تفوق قريناتها فى الصين وغيرها. وأرى شمال سيناء وجنوبها ووسطها بغناها وتنوع مصادر الثروة فيها وقد تحلّت بلون أخضر وشقتها الطرق شمالاً وجنوباً وانتثرت فيها المصانع والمناجم كعقد من الماس يتلألأ على تاج مصرنا الجميلة 

المصدر: مجلة حواء- أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,746,529

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز