كتبت : منال عثمان
هل تغير شكل وجوهر وعمق الحب فى السينما بين زمن (إذا الشمس غابت اذكرينى ) .. وزمن (قبضينى وأنا أحبك )؟ مؤكد تغير تغيرا صادما لدرجة كان لا يمكن أن يتخيلها أكثر الناس تشاؤما فى الزمن الذى مضى ،ونحن لسنا من الفصيل الباكى على الزمن الذى مضى وحلاوته وجماله فلدينا يقين أن لكل زمن وجهيه الأبيض والأسود كما هو كل شىء فى الحياة لكن فى هذا الخط السينمائى الرومانسى لا نختلف عن الآخرين خصوصا والسينما فى فترتها الأخيرة لم تقدم أبدا ما يضاهى هذه الأفلام الخالدة فى زمن الأبيض والأسود والتى تقف شامخة بل لا أحيد عن الحقيقة لو أكدت أنها الوتد الأول والراسخ بعمق والذى أعطى للسينما المصرية ريادتها فى المنطقة العربية ll
لعل أول الأفلام الثمينة من زمن الأبيض والأسود الذى يتبادر إلى الأذهان عند ذكر الحب فى السينما فيلم (النهر الخالد)الذى قدم أقوى الصور التى تعبر عن الحب المستحيل فى أروع معانيه الحب حين يفرض قانونه وسطوته دون النظر إلى أية معايير أو حسابات والتى لا يعرفها حين يقرر طائره الفريد الكف عن الترحال مؤقتا ليرسو فى حنايا قلب ... الفيلم قدمته "فاتن حمامة" أمام "عمر الشريف" والعملاق "زكى رستم" من إخراج حائك الرومانسية الأشهر فى هذا الزمن "عزالدين ذو الفقار" ومأخوذا عن الرواية العالمية (آنا كارنينا ) ،ودار حول "نوال" زوجة الباشا الكهل صاحب النفوذ والعقد والأحلام السياسية وأم لطفل صغير.. يختارها طائر الحب ليرسو لديها وتحب الظابط الشاب "خالد" بعاطفة قوية وجبارة أحسن الكل فى تقديمها خصوصا السيدة فاتن بتعبيرات نفذت كالسهام فى القلوب التى انفطرت دائما مع دموعها وحيرتها وحرمانها، فخلد هذا الشريط السينمائى كأحد أهم الأفلام الرومانسية وفى هذه الحقبة الذاخرة فنا وإبداعا.
بين الأطلال
كانت "فاتن حمامة" الاسم الأول فى اختيار أى مخرج يريد تقديم فيلما رومانسيا فهى أيضا بطلة التحفة الخالدة ( بين الأطلال ) التى نسجها فارس الرومانسية "يوسف السباعى" وأخرجها حائكها "عزالدين ذو الفقار" ولعبت دور "منى" الفتاة الشابة التى تقع فى غرام "محمود" الكاتب الكبير المتزوج من ابنة عمه المريضة.. فالحب يقفز كل الحواجز ليعلن عن نفسه بأية وسيلة فلم يقهره زواجها ولا البعد الذى فرضته الظروف ولا حتى موت الحبيب محمود الذى عشقته منى حتى الثمالة. وتترك زوجها وتقدم التضحيات الكبيرة وتعمل ممرضة من أجله تارة ومن أجل زوجته تارة أخرى التى تموت وتترك لمنى طفلة محمود التى تربيها ..إنه الحب فى أسمى معانيه وأرقى صوره ، والذى ظهر جليا فى قطعة دانتيلا سينمائية أخرى قدمتها السيدة "مديحة يسرى" بطلة ومنتجة فيلم( إنى راحلة) هذه المعزوفة الفريدة التى حتى اللحظة لانملك إلا دمعاتنا لنرثى بها "عايدة وأحمد" بطلا هذه القصة الدامية..هو ابن خالتها وأعطاهما الحب زهوره منذ الطفوله لكن هناك أبا قاسيا عنيدا يرفض زواجهما رغم أن الشاب ظابط لكنه من الفرع الفقير لهذه العائلة ويعد لها زيجة أخرى.. تنهار عايدة مع هذا الانفلات الذى يعيشه زوجها وأصدقاؤه من هذه الطبقة التى لاتعرف للأخلاق معنى .
وتعود باكية إلى المكان الذى كان يجمعها دائما بحبيبها لتجده هناك، ويذهبان إلى شاليه أحد أصدقائه وتفاجىء الحبيب أزمة مرضية شديدة لايستطيع معها قيادة السيارة للذهاب لمستشفى وعايدة لا تعرف القيادة، ويموت بين يدى حبيبة العمر التى تقرر هى أيضا أن ترحل فتحرق الشاليه وتحتضن حبيبها ويحترق كل شىء .. إنه الحب حتى آخر قطرة فى إناء العمر الذى حدثنا عنه عمالقة الأمس.
عن العشق والهوى
أما الحب الآن فالحقيقة صادم .. فالحب حب لايتغير لكن الأساليب السينمائية فى التعبير عنه هى التى تغيرت كلية فلم تعد هناك الحبيبة المتفانية المضحية ، ولا الحبيب المخلص بل أصبح هناك الحبيب الذى يملك عصا سحرية يوجه بها بوصلة قلبه مثل بطل فيلم(عن العشق والهوى) "لأحمد السقا ومنى زكى".. فهو شاب يحب عازفة بيانو ولا يجد أيه مشكلة ويتزوج بأخرى ونكتشف أن أخيه يحبها ورغم أنه متزوج يقيم علاقة مع سكرتيرته ..شىء أشبه بلعبة الكراسى الموسيقية فلا تعرف البطل يحب من بشكل حقيقى حتى تتوحد معه فى هذه القصة وأنت تشاهد ..وكذا الحال فى فيلم (الحب الأول) رانيا "منى زكى"وابنة عمها وفاء "حنان ترك" والشاب خالد الذى لعبه "مصطفى قمر" فهو يحب رانيا لكنها تحب صديقه "طارق لطفى" فى الوقت الذى تحب فيه وفاء خالد مع أن الصديق الثالث "هانى رمزى" يحبها ..لا نعرف ما هذا الحب الجماعى !! الذى أزعم أنه يفقد قصة الحب على الشاشة خصوصيتها التى استمتعنا بها فى زمن الأبيض والأسود ،ولو أرادوا تقديم قصة حب - ليس لها فروع أخرى - يصيبنا الذعر من هذه البطلة السينمائية فى فيلم (أول مرة تحب ياقلبى ) "جالا فهمى وتامر عبد المنعم"،والذى دار حول نجمة سينمائية على علاقة برجل أعمال يهرب للخارج لكن فجأة تقابل أمين شرطة لا تعرفه وفى لحظة نزق وطيش تحمل منه ويتحول الفيلم إلى مطاردات خائبة تنتهى باقترانهما زوجين !! أين الحب والإخلاص والتضحية؟ لانعرف ولا تبحث عنهم ..فهذا هو الفارق الشاسع ياسادة بين الحب فى السينما زمان والآن
ساحة النقاش