كتب : طاهر البهي
انتظرت فترة ليست بالقصيرة عقب حادث قطار القليوبية الذى راح ضحيته عدد من المواطنين «المسطحين» فوق ظهر القطار المتسبب فى مصرع المواطنين .
انتظرت فى ترقب كيف ستتعامل الحكومة التى نكن لها كل احترام مع الحادث، وفى ذهننا أيضا خطأ الضحايا الذى لا ننكره بتسطيحهم - وهو فعل وسلوك خاطىء تماما - ولكن هل هذا ينفى مسئولية هيئة سكك حديد مصر، التى تضم بين هيئاتها، هيئة خاصة للشرطة، شرطة السكك الحديدية، فماذا يفعل هذا الجهاز الذى من أولى مهامه تأمين الركاب .. فهم مواطنون علينا حمايتهم قبل أن نحمى «الآلة» التى تقلهم .
التحقيقات الأولية - التى نرجو ألا تطول حتى نفقد حماسنا بالقضية ويفتر اهتمامنا بالحادث، تشير من خلال شهادات الشهود وهم جميعهم شهود عيان شاهدوا وعايشوا الحادث، أن القطار كان يسير بسرعة مبالغ فيها - رغم مروره بإحدى محطات الركوب التى لم يكلف السائق نفسه بالوقوف عندها، وكأن الأمر يتم التعامل معه بالهوى الشخصى لسائق القطار، وليس بخطة والتزام ضمن منظومة متكاملة من قبل هيئة سكك حديد مصر، أى تعاليم هذه وتقاليد صارمة تحمل اسم دولة تحترم مواطنيها وتلتزم بتقديم خدمة مهمة وواجب مقدس؟! إلا أن الحقيقة المرة التى يعلمها كل مواطن كادح يتعامل مع قطارات مصر، خصوصا قطارات الأقاليم المهملة بخلاف الخطوط التى يمكن أن نطلق عليها «سياحية» وهى التى تنال بعضا من الحظ والاهتمام .. إلا أن سائق القطار المتسبب فى الحادث ضرب بكل هذه الالتزامات عرض الحائط؛ فتجاوز فى سرعة القطار المسموح بها عند المحطات، بل وقرر عدم الوقوف فى محطة من محطاتها .
نحن لا نعفى ضحايا الحادث من الجزء الأكبر من المسئولية، ولكننا لا نعفى أيضا هيئة سكك حديد مصر من مسئولياتها عن سلوك السائق وأمن القطار .
ولكن المدهش فى الأمر أننا لم نسمع تصريحا حكوميا يطفىء نيران الغضب، ويشفى غليل أسر الضحايا، وهو فيما يبدو أمر متكرر وسلوك أصيل فى التعامل مع الأحداث الكبرى .. نحن نراها أحداثا كبرى.
لم يسأل أحد، كما لم يجب بالتالى .. على الرغم من تكرار حوادث الطرق. وخصوصا فى محافظة القليوبية المنكوبة، فقد وقع منذ فترة - قبيل الثورة المباركة - حادث مؤلم بين أربعة قطارات، وأعترف بأننى كنت منفعلا أثناء قراءة الخبر، تطاردنى صور وخيالات الشهداء الضحايا، شهداء التسيب والرعونة وعدم الانضباط ونقص التدريب، كانت ترافقنى دائما فى هذه الحوادث صورة ورائحة الدماء المغدور بها تطل من ورق الصحف، تطلب منا الشهادة لمصلحة الحق، تطالبنا بالدفاع والقصاص وانتزاع الوعود حتى لا يتكرر المشهد، أعترف بأننى فى قراءاتى لتلك الحوادث، كنت متأثرا بكل هذا الغضب بداخلى، فاختلطت الكلام بالدموع، وتناثرت الحقيقة مع الغضب.
نحن مع الحلول طويلة الأجل، ولكننا أيضا وقبل كل شىء مع الاعتذار الفورى، مع الإصلاح وإن تكلف مليارات الجنيهات، فدماء أبناء الوطن أغلى كثيرا من المال، وأتذكر أنه عقب الحادث الأول خرج علينا تصريح يبشرنا بأنه تم ضخ (25 مليون دولار لتأهيل (60) جرارا، إن كانت الذاكرة لم يصبها الصدأ .
هكذا كان الخبر الغريب، والذى أثبتت الأيام وجود خلل فى الفكر الإدارى، فالتصريح يتحدث عن ضخ ملايين الجنيهات لتأهيل الجرارات (أى الآلات)، فى حين أن الصحيح هو الاهتمام بتدريب الإنسان - البشر - قبل الآلة .
الإنسان الذى يقود ويسيطر ويتحكم ويصدر أوامره للآلة، الاهتمام بتدريبه وتثقيفه ومنحه الأمان المادى والصحى ليومه وغده، وعدم التلويح له بـ (بعبع) الخصخصة.
الإنسان المصرى والعامل المصرى عملة نادرة شهد بها العالم، فهو الذى يقود القطار والطائرة- ونحلم بأن يقود الصاروخ - ابحثوا عن التدريب، فهو الذى يحمى ويطور الآلة
ساحة النقاش