حكيم باشا .. متى يعود ؟
كتبت :فاتن الهواري
لماذا تنازل الطبيب عن القسم الذى أقسمه فى إنقاذ المرضى وأن يكون وسيلة من وسائل رحمة الله وأضرب عن العمل؟ إضراب الأطباء مازال مستمراً وربما لاتكون تلك هى المرة الأولى التى يضرب فيها الأطباء حيث استمر إضرابهم من قبل 50 يوماً عام 1951، إضراب الأطباء مازال مستمراً ربما لأنه طفح بهم الكيل ، فالطبيب فى الماضى كان يسمى «حكيم باشا» لشدة الاحترام والتبجيل له ولكن الآن بلا فخر أصبح «فقير باشا» فشباب الأطباء يعانون معاناة شديدة بسبب ضعف الرواتب ويضطر الطبيب إلى المبيت فى المستشفى لأيام طوال من أجل زيادة راتبه ، أو النقل إلى أماكن نائية لفترة طويلة من أجل دخل أكبر .. وهو مطالب بعد ذلك كله برفع مستواه العلمى والحصول على دراسات عليا وكلها أمور مكلفة .. من أجل مسايرة البحث العلمى ولم يكتف الطبيب بالتعرض إلى تدنى الرواتب بل نأتى إلى مسلسل الاعتداء وضرب الأطباء حدث ولا حرج ضرب وسحل.. ما هذه الفوضى التى نعيش فيها ؟! والتى يتعرض لها أطباؤنا أعظم أطباء فى العالم ، فالعالم كله يحترم الطبيب ويقدره ماعدا مصر ولا أعرف لماذا ؟ هل غيرة منهم لأنهم خريجو كليات القمة؟ الله أعلم.
نعم لابد أن نحترم إضراب الأطباء ونقف معهم للحصول على حقوقهم المشروعة ، فالطبيب الذى يسهر طوال الليل بجانبك لابد أن يكون له كل الاحترام ولابد أن يكون مرتاحاً مادياً ومعنوياً ونفسياً ، هذا حق من حقوق من نأتمنه على أرواحنا وأجسادناً .. للأسف الشديد تحطمت أحلام الأطباء على صخرة الواقع بعد التخرج فلا وجود (للخمسة عين) التى كانوا يحلمون بها عند التحاقهم بكلية الطب وهى (العربية والعيادة والعمارة والعزبة والعروسة»
وبما أننى زوجة لطبيب وأخت طبيب ومن عائلة أغلبها أطباء فقد عانيت كثيراً فلم يحصل زوجى الطبيب فى مقتبل حياته إلا على عين واحدة وهى «أنا» وبدأت رحلة الكفاح والشقاء واللف والدوران على عقد عمل فى الغربة، وآه من أيامها الطويلة ولياليها القاسية وكم هى معاناة المغترب وأسرته فى الغربة ولا يعرف مرارتها إلا من ذاقها.
فهناك أطباء ماتوا ودفنوا بعيداً عن الوطن ومنهم من رجع مريضاً إلى بلده ومن كان حظه حسناً ورجع إلى بلده بعد غربة طويلة صحبته الكآبة وعدم التأقلم مع حياتة الجديدة داخل وطنه بالإضافة إلى أمراض الغربة وسنينها وزوجة الطبيب وأولاده أيضاً لهم من الحب جانب بسبب هذه الغربة القاسية التى فرضتها الأقدار والظروف عليهم للبحث عن حياة أفضل بعيداً عن وطنهم الأم الذى لم يقدر الطبيب ولم يعطه حقه ..
ورغم الغربة وسنواتها الطويلة لم يحقق الطبيب من الخمسة عين إلا عين الحسود التى تلازمه هو وأسرته ، هذا حال الأطباء المصريين أفضل أطباء العالم ، والذى يشهد العالم أجمع بكفاءتهم وشطارتهم .. وخبراتهم العالية .. فلابد للدولة أن تهتم بالطبيب ومطالبه وتصون كرامته وأن يكون له كادر خاص ومميز حتى لاتدفعه الظروف إلى غربة يدفع ثمنها غالياً من صحته وأعصابه وتدفع فيها أسرته الثمن معه .
فهناك مهن لابد أن يوضع لها كادر خاص وخطوط حمراء فالطب من أولي المهن كذلك مهنة ضابط الشرطة وضابط الجيش والقضاه لأنها مهن شاقة وتتطلب من أصحابها بذل الجهد والعرق والسهر لأيام وليال والعمل طوال النهار والليل..
كل الحب والاحترام لأطباء مصر ونحن معهم فى إضرابهم قلبا وقالباً حتى يحصلوا على حقوقهم ولابد من إعادة الهيبة إلى الطبيب المصري فإذا لم تتحقق فلننتظر ثورة الأطباء قريباً حتى يصبح بالفعل «حكيم باشا»
ساحة النقاش