كتب : طاهر البهي

فجأة أصبحت قضية التحرش الجنسى «لبانة» فى فم المثقفين والمتخصصين على حد سواء ؛ على الرغم من أن القضية قنبلة انفجرت فى وجه المجتمع المصرى منذ عدة عقود، ولا نزال نسمع دويها فى أرجاء متفرقة من أرض المحروسة !

ومن الغريب أن تبدأ قضية التحرش مجتمعية على مرأى ومسمع من الجميع، ثم تنتهى بأن نلقى الكرة فى مربع القضايا الأمنية .

إن وقوع قضية تحرش واحدة فى إحدى الضواحى المصرية تلقى بظلالها على مئات الألوف من البيوت المصرية برجالها ونسائها، فكل رجل فى حياته أنثى أو أكثر يخاف عليها ويسعى لحمايتها ؛ وأجهزة الأمن مهما كانت يقظتها لن تستطيع حماية نحو (40) مليون أنثى علـى أرض مصر!

إذن فالقضية مجتمعية، ينبغى على الجميع احتضانها، وعلى الدولة أن توليها رعايتها، عن طريق التعليم والثقافة والإعلام .. أكرر : الإعلام الذى تقع على عاتقه مسئولية كبيرة، عليه أن يأخذ على عاتقه زمام المبادرة، ويوليها جل اهتمامه، تكفيرا عن ذنب اقترفه الإعلام طوال عقود أربعة على الأقل، حينما اشتد غول الإعلان، ومعه ظهرت الأنثى كسلعة رخيصة، تغرينا بالجنس ، وبالإيحاءات الفجة، وأستطيع أن أذكر عشرات النماذج التى تدلل على ذلك من السبعينيات وحتى اليوم فاللعبة مستمرة وبخبث شديد وبجاحة أشد، كل هذا من أجل أن نقبل على سلعة فى الغالب هى تافهة واستهلاكية لا تفيد ولا تضر.

وأستطيع أن أقول إن الإعلان - دون قصد - لعب دور «المحرض» على جرائم هتك العرض، وخدش الحياء، ولا ينحصر الاتهام فى الإعلام المرئى فقط، بل والمقروء، مع فتح الباب أمام الصحافة القبرصية، كما أن بعضها وفد من بيروت، ممثلا فى بعض المطبوعات المصورة، التى اتخذت أغلفتها أسلوبا رخيصا متدنيا فى الوقت الذى لم تقابله وزارة الثقافة بأذرعها التثقيفية بحائط صد تنويرى، فى سياق متصل، كان الخطاب الدينى ضعيفا، واهنا، بل ومتخبطا فى كثير من الأحيان يفتقد الرؤية الواضحة لمشكلات الوطن وقضاياه، حيث اقتصرت رؤيته على الدور «الخدمى» للمرأة - كأنثى وربة منزل - ولم يواكب المتغيرات العصرية التى أتاحت للمرأة - أن تكون عاملة ، منتجة، جنبا إلى جنب مع الرجل، وبالتالى تقديم الرؤية الشرعية لإفساح المجال لمزيد من التقدم بالجهود المشتركة للرجل والمرأة .

لقد ساهم الإعلام فى الانتكاسة وفساد منظومة التعليم، وفشله فى تحديث العقل المصرى، ومساعدته على قبول الآخر، والتعامل معه تعاملا إيجابيا دون صدام، وتهذيب الفكر الشهوانى الغريزى الحيوانى، والنظرة المتدنية للمرأة .

هذا ما حدث تحت سمعنا وبصرنا جميعا، دون أن نحرك ساكنا، إلى أن أصبحنا نتحدث جميعا عن التحرش الجنسى دون أن نتوقف لنتأمل المقدمات !

وإذا كانت قضية التحرش هى عبارة عن مثلث من ثلاثة أضلاع : المتحرش - بكسر الراء - والمتحرش به - بفتح الحاء - والضلع الثالث هو المجتمع، فإننى سألت شخصية أمنية عن النصيحة التى يدلى بها لإنقاذ الأنثى، فقال لى عبارة غاية فى الأهمية، هى نصيحته المستمدة من مبادئ علم الإجرام، هى أن المتحرش السافل لا يستطيع اغتصاب ضحية لها نظر حاد (!) والمعنى أنه إذا استطاعت الأنثى النظر إلى مثل هذا المجرم، بنظرة نارية حادة، فإنها فى الغالب تربكه وتخيفه، فلا يجد إلا الهروب كالجرزان الضالة .

وبداية التحرش قد تكون كلمة خادشة، وقد تكون احتكاك جسدى خبيث ، وقد يبدأ المتحرش (فى العمل) بأن يقص حكاية قريبته أو جارته - الوهمية - ومعاناتها من العلاقة الخاصة مع زوجها، وما أن يلمح صمت الزميلة، حتى يتبجح بالإشارات والتلميحات لتتعدى حدود الأدب إلى قلة الأدب، والنصيحة هى (فرملة) هذا الوقح من البداية ، والامتناع عن الهزار بالأيدى، وعدم الاستماع إلى النكات الجنسية الوقحة، وعلى الأنثى أن تعلم أن التحرش يبدأ من أول لفظ غير لائق ينطقه الرجل أمام زميلته الأنثى فى العمل أو الشارع، ثم يتدرج إلى التفوه بموضوعات جنسية ثم التلامس بالأيدى أو بأى جزء من الجسد 

المصدر: مجلة حواء- طاهر البهي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 914 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,813,228

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز