هل تدرك مشاعر من يفتقده:

ما يعرف الحب إلا اللي انكوي بناره

كتبت : إيمــــــان عبد الرحمن

" قــالـــت السمكــة للمــاء: "لن تستطيـــع أن تـــرى دمــــوعي أبـــدا لأننـــــي فــــــي المـــاء..!!، فرد المـــاء قائــــلا : لكننــــي استطيـــع أن أشعـــر بدموعك "لأنـــــــــك فـــي قلـــــبي. وهكذا أنا مثل هذه السمكة أبحث عمن يسمعني ويداوي جراحي ولو بكلمة ويشعر بمعاناتي، ولم أجد الشخص الذي يشعر بدموعي مثلها فبين صديقاتي أحيانا أجد من تسمعني باهتمام ولكنها لا تشعر بي وأخري تسمعني فقط وكأنها تنفذ عقوبة بفارغ الصبر لكوننا صديقات .. لأقف حائرة .

وأتساءل ..هل شرط أن يفهمني ويستوعبني الآخر أن يكون مر بنفس التجربة ليكون فاقد الحب هو أكثر شخصا قادرا على إعطائه لك ؟ أم أن فاقد الحب لا يعطيه أبدا كالمثل القائل:"فاقد الشيء لا يعطيه ؟

من أكثر الأمثلة في التاريخ التي تؤكد علي هذا المعني ،هتلر ،ففي دراسات عديدة عنه قال علماء النفس :" لو استطاع هتلر - وهو ابن غير شرعي - أن يضع أصابع قدميه في فمه وهو صغير ،لأنقذت البشرية من الحرب العالمية الثانية .

والمقصود أنه لو لم يحرم من رعاية أمه ولو أدرك أصابع قدميه في إشارة إلي أنه كان يجد كل شىء بعيد، لما احتاج إلي عنف ليجعل أفواه الناس عند أصابع قدميه بالنار والحديد ،وفي دراسة أخري قيل :" لو عرف هتلر اللعب وهو صغير ، ما كانت لعبته ملايين الأجساد البشرية

الحب

ولكن ماذا عن الحب ؟ هل فاقد الحب لا يعطيه ؟ في البداية تقول نهال عبده 27 سنة موظفة علاقات عامة- تزوجت عن حب وبعد مرور شهور من زواجي بدأت الخلافات تدب بيني وبين زوجي وكنت أحكي لصديقتي المقربة التي لم تتزوج بعد وأقول لها أنني أفكر في الانفصال فكانت تسمعني وتوافقني علي ما أقول.

وفعلا طلبت من محام أن يرفع دعوى طلاق ودونت مشكلتي علي منتدي نسائي بقسم الفضفضة لأجد ردودا كثيرة من سيدات مطلقات يحذرنني من هذا الموضوع من واقع تجربتهن وأنني سأخسر كثيرا وعليّ بالصبر والتحمل وخصوصا أن عندي طفلا صغير السن.

لذلك نعم فاقد الحب قد يعطيه أحيانا ،فمن واقع تجربتي وجدت الحب والاهتمام من أشخاص لا يعرفونني ولا أعرفهم ونصحوني لوجه الله فقط لأنهم عاشوا نفس التجربة وفقدوا الحب ولم يريدوا أن أعاني ما عانوه.

زميلي بالجامعة

وتوافقها ضحي سعيد طالبة بالفرقة الرابعة بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بكفر الشيخ قائلة:" أنا مرتبطة بزميلي في الجامعة، ولكنه ينتظر أن ننهي دراستنا هذا العام ليتقدم لي رسميا وعندما تقدم لي عريس به كل المواصقات التي تتمناها أية بنت وجدت والدي مصمما عليه ويحاول أن يقنعني بكل الطرق ولم يتقبل رفضي إطلاقا ، لم أجد سوي جدتي أحكي لها،فنصحتني بعدم التخلي عن زميلي الذي لايزال في بداية طريقه وحكت لي قصتها وكيف أنها الآن نادمة لأنها لم تدافع عن حبها في ذلك الوقت ،لذلك شددت عليّ من واقع تجربتها التي عاشتها وعلمت لماذا هي الوحيدة التي تفهمتني واستوعبتني وبالفعل وقفت جانبي وأقنعت أبي برفضه ،لذلك أؤمن بأن فاقد الحب أكثر شخصا يمكنه الإحساس بمن عاش نفس التجربة .

لكل قاعدة شواذ

أما عن رأي علم النفس فيفسر الموضوع الأستاذ الدكتور عماد مخيمر أستاذ ورئيس علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقايق قائلا :" العلاقات الإنسانية لا تتبع قاعدة واحدة وخصوصا بما يتعلق بالحب وخصوصا أنه قيمة إنسانية بقائية شاملة،تحافظ علي الجنس البشري،فينتشر الحب والمحاباة بين الناس وتستمر الحياة ، فهو قيمة وجودية ،حب الوطن ،الأم ، الزوجة ، وتوجد وجهتي نظر..الأولي تقول "من لم يخبر الحب لا يستطيع أن يأتي الحب" بمعني من لم يعش خبرات الحب مع الأم والأب لا يمكنه أن يخبر الحب عندما يصل سن الرشد فينطبق المثل القائل " فاقد الشيء لا يعطيه.

لذلك المعاملة التي يراها الطفل من مودة ورحمة واحتراماً بين الأب والأم أو العكس من قسوة في التعامل أو عدم احترام تمثل له النموذج والتوحد عندما يكبر فينفذها في تعاملاته ويضيف د. مخيمر أنه إذا كانت خبرات الطفولة عنيفة فسيشب الطفل ضد المجتمع.. بمعني لو لم يعطه المجتمع الحب سينتقم عندما يكبر وسيصبح كما نسميها شخصية مضادة للمجتمع ،ضد القانون وسينحرف .

والثانية تقول: "إذا لم نستطع أن نكتسب الحب في مرحلة معينة من الممكن أن نكتسبه في مرحلة تالية ولكن تحت شروط وضوابط معينة ، ويطلق عليه في علم النفس "محو الأضرار"بمعني لو شخص لم يعش خبرة الحب ولكنه تزوج من امرأة لديها طاقة حب كبيرة واستطاعت استيعابه سيحب العالم كله ويحب الحب ،فاقترانه بجماعة أو زوجة أو صديق من الممكن أن يعوضه عن الحب المفقود لذلك في هذه الحالة نعوض الحب .

التجربة الفاشلة

أما فيما يتعلق بالشخص الذي عاش تجربة حب فاشلة هل سيصبح أكثر توحدا وإحساسا بمن عاش نفس تجربته ؟..يشرح د. مخيمر نتفق أن الأفكار محملة بالعواطف وعندما يحكي شخص تجربة عاشها ولنفرض أنها فتاة عاشت تجربة حب فاشلة ،فعندما تحكي لصديقتها مثلا فيحدث شىء من أمرين.. الأول خرجت الفكرة مع المشاعر الخاصة بها من ألم وخيانة وجرح للمشاعر وخلافه ،أي خرجت مع الطاقة الانفعالية فتشعر بالارتياح ، وسيكون الشخص الذي عاني من نفس المشكلة أكثر إنسانا يشعر بها ، فمن عاش الخبرة يتضامن أكثر مع المشكلة وكثيرا ما يضع ذاته موضع الطرف الآخر ويفكر بطريقته ويشعر بمشاعره ،لذلك يمكن القول بإن:فاقد الحب يعطيه أحيانا .

عطاء ومساندة

ويتفق معه الدكتور محمد عبدالفتاح أستاذ علم النفس بآداب المنيا ويؤكد :لكل قاعدة شواذ ، وخصوصا فيما يتعلق بفاقد الشىء لا يعطيه ،لأنه حين يتعلق الأمر بالحب سنجده مختلفا أحيانا، فنحن لا يمكن أن نحيا بدون الحب ،فالخطوة الأولي في الحب هي العطاء ،وبالمساندة الاجتماعية من المحيطين يحدث فعل السحر عند الفرد وخصوصا عندما يمر بمشكلات ..

وعندما نفتقد الحب ولا نجد الطرف الآخر، ويبتعد الحبيب ، ينطبق المثل فاقد الحب يعطيه إذا نجح الفرد واستطاع أن يغير الاتجاه السلبي من رفض الآخر إلي حب الآخر ..فلابد من تعديل الاتجاه ،ولا نغفل المساندة الاجتماعية وخصوصا من الذين عاشوا نفس التجربة ،لأنه سيتذكر كل السلبيات التي عاشها وسينصح الآخر من واقع تجربته حتي لا تتكرر نفس الأخطاء ومن واقع النقاش والتحدث والفضفضة تظهر طاقة نور جديدة ولو ضئيلة