كتبت: امل مبروك

هل يمكن لهذا الشعار أن يعود من جديد ؟

هناك قول مأثور مفاده : "من تمسك برأيه ضل" ومن الناحية العملية فإن مضمون هذا القول أصبح ينطبق حرفياً على واقعنا، فهذا هو حال النخب المثقفة والسياسيين الذين يقودون الأمة وانقسموا على أنفسهم إلى قسمين .. والغريب أن نفس هؤلاء المنقسمين الآن كانوا هم عناصر الثورة الرئيسية فى يناير 2011 الذين رفضوا أن يجعلوا للثورة قائدا واحدا أو أن يمثلهم مجموعة صغيرة محددة متخذين شعار " وحدتنا سر قوتنا " وهذا ما لم يحدث بعد نجاحها ! وهاهو مجتمعنا قد أصبح يعانى من موجات التشدد والتعصب التي تختلف قوة من وقت إلى آخر، وتتخذ مظاهر مختلفة، من بينها المبالغة والغلو في غير موضعه وفرض الرأي على الآخر وإساءة الظن به وتأثيمه، وقد يصل الأمر إلى تخوينه

وإذا كان التشدد واردا في الأفكار التي يؤمن بها المرء ويعتنقها وفي الآراء التي يعبر بها عن تلك الأفكار، فإن وجوده يكون ضارا ومفسدا عندما تصبح النخبة المصرية غير مهتمة بمسائل التنمية و العدالة الإجتماعية و رفع المعاناة عن كاهل الشعب المصرى بقدر اهتمامها بترسيخ أفكارها التى تحقق لها مكاسب شخصية فقط

تعلمنا منهم

لقد كنا في فترة الثورة الأولى أيام التحرير الثمانية عشر مطمئنين لوجود العديد من أطياف الشعب المصرى ، تلك الأطياف التى تعلمنا على أيديها مفاهيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ، واستلهمنا منها معاني المظاهرات والثورة والإعتصام ، كنا ممتنين لوجودهم فى الميدان ، وكنا نجد فيهم الأمل الدائم لتعديل أى اتجاه خطأ فى إدارة الدولة في المستقبل، لكن هاهى نفس العناصر والأطياف التى استبشرنا بها خيرا قد أصبحت أحد المؤثرا ت السلبية على الثورة المصرية ، انتهت الثمانية عشر يوما الأولى وتفرقت الثورة إلى شيع ، كل يرى ما يريده وكأنه الحقيقة المطلقة ، انقسمت القوى السياسية والنخب والمثقفين ، أصبحت كل معركة غير مسئولة بين القوى السياسية هي المشهد الأوحد في الإعلام ، كالديوك التي تتشاجر بغير وعي ، والآن مشاجراتها تشاهد على الملأ ونجلس نحن نشاهد ونتفرج على تمزيق ثورتنا

معارك جانبية

الخلاصة أننا في اصعب حالاتنا من بداية الثورة ، دخلنا في معارك جانبية ونسينا الأساس الذى اجتمعنا عليه في الثورة وهي الديمقراطية ، تجادلنا حول " الدستور أولاً ، الإنتخابات أولاً " - " مدنية ، دينية " - " رأسمالية ، إشتراكية " - " إسلامية ، علمانية " ، معارك وهمية وضعنا أنفسنا فيها ، وصرنا لا ندافع عن الثورة صرنا ندافع عن أرائنا وتوجهاتنا ، وصرنا نختزل المشهد في أمور تعد من ترف الأيدلوجيات والتوجهات الفلسفية ، وكأن بلادنا ليست حديثة عهد بالديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان والحريات، ونرى الفيسبوك وتويتر يهللان بالتشويه و"التجريس" ، وإنتقلت معركتنا ضد الفساد لمعركة خسيسة يقذف فيها بعضنا بعضاً .. ويخون بعضنا بعضاً .. نكذب وننشر من دون دليل .. أو نطعن في فبركة صورة أو فيديو دون دليل .. أصبحت الثورة على القوى الثورية .. هنيئاً لنا ما جلبناه لأنفسنا.. إذا استمر الوضع هكذا نكون قد حصدنا الثورة المضادة بأيدينا .. وخسرنا المعركة

كلماتي تلك القليلة يمكن أن تكون جلداً زائداً للذات الثورية ولكنها غيرة على ثورة تنفسنا بها الصعداء ، ولا نريد أن تهوى بنا للاختناق ، بالرغم من أني لا أشك لحظة بأن الثورة فى النهاية ستحقق أهدافها النبيلة التى انطلقت من أجلها لكن لماذا نجعلها تتحقق بعد خسائر مادية ونفسية ؟

ليس لدى المتشدد فكرياً القدرة إلا على معارضة ومهاجمة مناوئي أفكاره ووجهات نظره. والجدير به أنْ يُقدم أولاً على مراجعة أفكاره وثانياً الاعتراف بخطأ قناعاته الفكرية وثالثاً أن يذهب نحو تغييرها.

ونحن نودع 2012 ونستعد لاستقبال عام جديد يلزم الكل أن يتراجع قليلا عن رأيه من أجل التوصل إلى نقطة وسط يرضى بها الجميع حتى تخرج مصر من هذه الأزمة أقوى وأكثر تماسكا وأقدر على التنمية وتحقيق ما ثارت من أجله. . نرجو أن يحدث ذلك قريبا  

 

المصدر: مجله حواء- امل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,748,229

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز