فى ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم

اعتصموا بعدله وذكائه مع أصدقائه وأعدائه

يمر علينا الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم ونحن نشعر بالأسى لتكرار حوادث القطارات التى يضيع بسببها الكثير من أرواح أبنائنا وإخواننا وآخرها حادث البدرشين المؤسف .. وتتغير حكومات ويستقيل وزراء بينما المأساة كما هى لاتتحرك إلا للخلف، لذا لابد أن ندرك أن سيرته صلى الله عليه وسلم تمثل مجالا خصبا للتأمل ونموذجا يحتذى به في معالجة الأمور وإدارة جميع مايواجهنا من مصاعب ومشكلات , فقد كانت له عليه الصلاة والسلام طريقة فريدة في إدارة الازمات .. كان بذكائه وعدله ينهي أسباب الخلاف بشكل قاطع, مع حماية المجتمع من آثار الأزمة, بل يعمل علي الاستفادة من الموقف الناتج عن الأزمة في الاصلاح والتطوير, واتخاذ اجراءات الوقاية لمنع تكرار الأزمة أوحدوث أزمات مشابهة لها. ويمكننا أن نري ذلك قبل البعثة وبعدها.

الحرب النفسية

فقبل البعثة نتذكر جميعا قصة الحجر الأسود الذى أوشكت قبائل قريش على الاقتتال بسببه, ولما أخبروا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال لهم: هلمََ إلي ثوبا, فأتي به, فأخذ الحجر فوضعه فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ففعلوا حتي إذا بلغوا موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بني عليه، وبهذا التفكير السليم والرأي الصائب حسم صلي الله عليه وسلم الخلاف بين قبائل مكة, وأرضاهم جميعا, وجنب بلده وقومه حربا ضروسا شحذت كل قبيلة فيها أسنتها.

وبعد بعثته صلي الله عليه وسلم, واجه المسلمون الكثير من الازمات مختلفة الاشكال, بين تعذيب من أسلم, وحصار في شعب أبي طالب, ثم بعد الهجرة اخذت المواجهات بين المسلمين والكفار اتجاها أشد ضراوة، وعندما عرف أعداء الاسلام بعد الحروب الطويلة أن القضاء علي هذا الدين وأهله لايمكن أن يتم باستخدام السلاح, قرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة, وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية, وذلك من خلال المنافقين من سكان المدينة, فكانوا يستفزون المسلمين ويمارسون حربا نفسية عليهم, حتي طالت بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم نفسه فيما عُرف بحادثة الإفك .. ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم استطاع الامساك بزمام هذه الصعاب والوصول بالمسلمين الي بر الأمان بحكمته وادارته الواعية لتلك الشدائد, مثل ما فعله صلي الله عليه وسلم.. حينما بلغه قول عبدالله بن أبي بن سلول في حق المسلمين : لئن رجعنا الي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فأراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقتله, فقال له رسول الله: فكيف ياعمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل اصحابه ؟! وجاء في رواية أخرى : فذكره للنبي صلي الله عليه وسلم, فأمر أن يؤذن في الناس بالرحيل ليشتغل بعضهم عن بعض، هنا ظهرت حكمته صلي الله عليه وسلم في معالجة الفتنة وإخماد نيرانها قبل أن تشتعل, حيث وجههم إلي الرفق واللين, من أجل أن يخمد الشر قبل أن ينتشر كالنار في الهشيم, ثم أمر أصحابه بالرحيل في وقت ليس من عادته الرحيل فيه ليشغلهم بالترحال عن حديث الفتنة فيئدها في مهدها.

صفة العظماء

أما العدل فهو صفة العظماء، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا والآخرة، تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة، وكان أعظمهم في ذلك، وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين وخاتم الرسل أجمعين محمد بن عبدالله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم، فهو عدل في تعامله مع ربه جل وعلا، وعدل في تعامله مع نفسه، وفي تعامله مع الآخرين، من قريب أوبعيد، ومن موافق أو مخالف، حتى العدو المكابر، له نصيب من عدله صلى الله عليه وسلم، وكيف لا يعدل وهو من خوطب بقول واضح مبين : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"، يعترض عليه القوم ويخطئ بعضهم في حقه، فلا يتخلى عن العدل، ولم ينشغل صلى الله عليه وسلم بالدولة وقيادتها، والغزوات وكثرتها، عن ممارسة العدل في قضائه بين المتخاصمين، فعن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالعدل في كل الأمور، وعدم تغليب جانب على حساب آخر، وإنما الموازنة وإعطاء كل ذي حق حقه، فقال: "يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار، وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظا، ولعينك عليك حظا، وإن لزوجك عليك حظا" رواه مسلم .

وبهذا الخلق العظيم، والأدب الرفيع، استطاع صلى الله عليه وسلم، أن يلفت الأنظار نحوه، ويحرك المشاعر والأحاسيس إلى مبادئه العظيمة، ويرسم منهاجاً فريداً لخير أمة أخرجت للناس، تحمل العدل إلى الناس أجمعين، وتبدد به ظلمات القهر والظلم  

المصدر: مجله حواء- امل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,813,963

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز