كتبت : منار السيد
يعقب كل مشهد سياسي و أحداث عنف تصريحات وأخبار حول القبض على مجوعة من أطفال الشوارع متورطين في أحداث العنف ...دون البحث والتحقيق حول المحرضين الرئيسين الذين دفعوا بهؤلاء الأطفال لارتكاب مثل هذه الأحداث
..ولكنهم في النهاية ضحايا وليسوا مجرمين..لذلك يجب علينا جميعا حماية هؤلاء الأطفال أثناء الأحداث السياسية حتى لايتم الزج بهم وهم غير مدركين لذلك..فما السبيل للتصدي ومعالجة هذه الظاهرة ..السطور التالية تحمل الإجابة
يعرفنا بداية الأستاذ الدكتور نصر السيد -الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة - بمفهوم أطفال الشوارع فيقول :هناك نوعان من أطفال الشوارع .. طفل من الشارع وهو الذي يظل طوال النهار في الشارع ويبحث له عن المبيت ليلا لعدم وجود مأوى له .
والنوع الثانى طفل في الشارع ..وهو الذي يعمل طوال النهار في الشارع ثم يعود ليلا لمنزله فهو لديه مأوى، وأثبتت إحدى الاستطلاعات التي قام بها المجلس أن 80% من الأطفال المتواجدين في الشارع لهم مكان للمبيت ويعتبرون الشارع مهنة يمتهنوها من أجل الحصول على لقمة العيش.
النشء
ويتطرق أ.د.السيد إلى مشكلة أخطر وهم "النشء" والذي يزيد عمرهم على 12 عاما فأكثر فهذه الفئة العمرية تمثل خطورة أكبر ولها تأثير مدمر في بعض الأحداث السياسية، لأنه يكون غير مدرك وسهل قيادته بكل الوسائل والإغراءات سواء كان الإغراء مادي متمثل في مقابل نقدي أو ملابس أو وجبات غذائية أو إعطائهم بعض الحبوب المخدرة .
بالإضافة أنه يتم حث هؤلاء الأطفال إلى أن ما سوف يقومون به هو عمل بطولي لأن من يهاجمهم في نظرهم واعتقادهم أعداء سواء كانوا متمثلين في "رجال الشرطة أو رجال القوات المسلحة " .
ولعلنا نتذكر أحداث شارع مجلس الوزراء والحادثة الشهيرة بتسمم المعتصمين هناك، وبعد نقلهم لمركز السموم كان من بينهم العديد من هؤلاء الأطفال وبعد فحصهم أثبتت التقارير أن 70% من هؤلاء الأطفال تمتلئ أجسادهم بالمواد المخدرة.
الانتماء
ويتحدث هاني موريس -رئيس مجلس أمناء الشبكة المصرية للهيئات العاملة بمجال أطفال الشوارع -حيث يقول : تمثل قضية أطفال الشوارع قضية إهدار لكرامة الطفل والإنسان المصري بسبب حرمانهم من حقوقهم الأساسية ،فهم محرمون من تعايشهم وسط جو أسري ومحرمون من حقوقهم الاجتماعية والصحية والتعليمية، وللأسف لايوجد مايعوض هؤلاء الأطفال عن ذلك من دور الرعاية.
كذلك يعانى الأطفال من التهميش الكبير وقد حذرنا كثيرا من أن استمرار حرمان الأطفال من الحقوق الشرعية سيؤثر على الأمن المصري بسبب سهولة استغلالهم، وهذا ماثبت صحته بعد الأحداث المتتالية لثورة يناير فقد تم الدفع بهؤلاء الأطفال للمشاركة في أحداث العنف بالرغم من أنه أثناء حالة الفوضى التي شابت الثورة ذهب الكثير منهم لحماية الجمعيات من أي اعتداء ..وهذه تعتبر ظاهرة جيدة توضح انتماء هؤلاء الأطفال للجمعيات .
حب المغامرة
وما يحدث الآن في أي أحداث عنف أنه يتم تصدير هؤلاء الأطفال في المشهد السياسي بصورة إجرامية بالرغم من أنهم ضحايا مستغلون من جانب بعض الجماعات والراغبين في حدوث فوضى في البلاد، وهناك أيضا من يشارك في هذه الأحداث بدافع حب المغامرة وخصوصا أنهم لديهم استراتيجيات البقاء في الشارع وبعضهم ساعد المعتصمين كثيرا من أجل تحمل البقاء في الشارع.
ويحذر أيضا من الجيل الثاني والثالث من أطفال الشوارع فهم يتوالدون في الشارع ويتركون أبناءهم وليظهر لدينا جيل جديد من أطفال الشوارع، بالإضافة إلى انتشار الأمراض بينهم والسلوكيات الخاطئة بل وخطورتهم على المجتمع والأمن المصري.
تحد كبير
ويحث "موريس" على ضرورة مساندة هذه القضية بالتواصل بين عمل الشبكة والمجلس القومي للأمومة والطفولة وبعض الهيئات التي تعمل في مجال الطفولة لأننا نواجه العديد من التحديات الكبيرة باستمرار أحداث العنف وتواجد الأطفال في ميادين الثورة ،لذا يجب استبعاد الأولاد عن المعارك السياسية، ومراعاة آدميتهم من جانب الإعلام وذلك بعدم نشر صورهم أو أسمائهم، لأن بعض أطفال الشوارع يتحدون ظروفهم ويستكملوا مسيرة تعليمهم وهذا حدث مع بعض النماذج التي نفتخر بهم الآن .
التغيرات السياسية
وتدعو الأستاذة الدكتورة إيمان قماح رئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس بضروة التدخل النفسي الاجتماعي على مرحلتين الأولى تمثل استراتيجية التدخل العاجل والمباشر والتي تتصل بالأحداث الآنية لمشاهد العنف والأحداث السياسية والثانية للتدخل بعيد المدى لحل هذه القضية التي تهدد الأمن العام .
وتتجسد المشكلة في أن مشاركة الأطفال في أحداث العنف تعرضهم لخطر الإصابة أو الوفاة لتواجدهم في قلب الأحداث ، فالعدوان عندما يتفشى ينعدم الحب وخاصة في حالة عدم وجود نموذج يحتذي به هؤلاء الأطفال أو ضابط خارجي ليستطيع الطفل التحكم في مشاعره وانفعالاته فهو لا يستطيع تحديد أهدافه ويبحث دائما عن محاولات للحصول على حاجاته .
الأمان
وتفسرد. إيمان سبب وجود الأطفال وسط المظاهرات لأنهم يشعرن بالأمان وسط الحشود .. وتعد ميادين الثورة منطقة جذب لهم بسبب توفير المال والغذاء، مما يسهل الزج بهم وسط هذه الأحداث .
فيجب النظر للبعد التنموي فالمهم أن تتم تنمية الطاقات الإيجابية لاستغلال طاقاتهم وإمكانياتهم في التنمية وليس الهدم، كما أنه يجب تكوين فريق متعدد الاختصاصات يتكون من " معالج نفسي - ومعالج اجتماعي- أخصائي نفسي- حقوقي- إعلامي- بالإضافة للأطفال" والعمل على الوصول للأطفال في أماكن تواجدهم لمحاولة التواصل لمساعدتهم لإشباع حاجاتهم.
وتنهي د.إيمان حديثها برغبتها في انقضاء أسباب هذه المشكلة حتى لو اضطررنا إلى معالجة القضية على المدى الطويل بتوفير الخدمات النفسية والاجتماعية لهم وتوفير دور إيواء جادة شاملة الخدمات ونضمن معاملتهم معاملة جيدة بداخلها بالإضافة إلى ضرورة توفير الخدمات الترفيهية لهم.
الاستغلال السياسي
أما عاطف النجمي - الخبير القانوني ورئيس جمعية الدفاع الوطني- فيتحدث قائلا: لم يتناول أي بحث على مدى 20 عاما إمكانية الاستغلال السياسي لأطفال الشوارع، وغضضنا البصر عن هذه القضية واكتفينا بمجرد الحديث عنها دون أي حل واقعي،حتى ظهر لدينا مصطلح جديد وفئة جديدة وهم "شباب الشارع".
فالأطفال الذين كنا نتحدث عنهم مسبقا كبروا وصاروا شبابا ومازالوا في الشارع، وامتهنوا بمهنة الشارع الذى له أحكامه وضوابطه الخاصة حتى تغلغل هذا الشاب في أحضان الشارع ،وتم استغلالهم على مر السنوات من جانب أصحاب المصالح وصولا للأحداث التي أعقبت الثورة.. والأخطر من انضم لهذه الفئة من أطفال وشباب العشوائيات .
ويقدم "النجمي" بعض الحلول لحمايتهم وأهمها ضرورة إنشاء نقابة للحرفيين لأنها ستنظم العمل الحرفي وستدفع الشباب للالتحاق بمعهد لتدريب الحرفيين حتي يجبر هؤلاء الشباب على التعلم والدخول تحت طائلة التنظيمات المهنية لحمايتهم من ضوابط الشارع .
حماية الأطفال
وقالت سمية الألفي -مدير عام الإدارة العامة للتنمية والنوع بالمجلس القومي للطفولة والأمومة- إنه تم التوصل إلى بعض التوصيات التي سيتم العمل بها من أجل حماية هؤلاء الأطفال والمتمثلة في محاولة تغيير وجهة النظر السلبية تجاههم- استبدال الفكر العقابي داخل المؤسسات بفكر آخر تأهيلي - تدريب الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين داخل دور التربية - تعاون كل المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لحماية الأطفال - على أي فرد لديه معلومات عن من يحاول استغلال الأطفال أن يتقدم بها على الفور لجهات التحقيق وأخيرا تغيير الخطاب الإعلامي تجاه المجتمع المدني
ساحة النقاش