ليتنا نحرر حبنا
من سوء الفهم أو الممارسة
بقلم :أمل مبروك
«كيف نضيف إلى بلادنا فنصبح نحن أقوى بها بدلا من أن نخصم من بلادنا فتصبح هى أضعف بسببنا ؟» تساؤل للكاتب الراحل محمود عوض تذكرته طوال الأيام الماضية التى شهدت اعتداءات متبادلة بين المتظاهرين والأمن ومحاولات اغتصاب جماعى للفتيات والسيدات وسحل وتعرية للمواطن حمادة صابر ووفاة لثلاثة من أنقى شباب النشطاء السياسيين، فإذا بسؤال يفرض نفسه : هل من تسبب أو نفذ فعلا من هذه الأفعال يحب بلده حقاً ؟ وهو سؤال يمكن أن يراه البعض مستهجنا إذ أنه لا يمكن لأحد أن يتعامل مع وطنه من خارج دائرة "الحب" ، لكن توجد أنماط كثيرة من الحب بعضها يندرج في الإطار الصحيح والصالح ، وبعضها الآخر مجروح بالنقصان أو الفساد أو غيرهما من صور الخلل والقصور.
اذن ، كيف نحب بلدنا ؟ صيغة السؤال هذه المرة تبدو مشروعة ، فالحب فعل وليس مجرد اسم .. ممارسة وتفاعل .. قيمة غير مشروطة بالتبادل ، معنى مطلق لا يخضع لمقاييس الخوف أو الطمع.
بالعقول والمشاعر
إن فكرة حب الأوطان فكرة عزيزة ذات قيمة عظيمة لكنها فى مجتمعنا فقدت معناها وأصبحت مغشوشة بامتياز، وإذا عدنا إلى إحصائية أثبتتها أبحاث كثيرة حول "الحب في القرآن الكريم"، سنجد أن كلمة "حب" ومشتقاتها وردت نحو (86) مرة في القرآن ، جاءت بصيغة الفعل (75) مرة ، وبصيغة الاسم (11) مرة ، ودلت على الحاضر (72) مرة وعلى الماضي (3) مرات فقط ، مما يعني أن الحب الحقيقي ليس اسماً فقط وإنما عمل ، وليس ماضياً وإنما فعل حاضر ومستمر ، وليس شعارا وإنما إرادة والتزام.
ويبدو الآن أننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار لقيمة "حب" الوطن ، وبحاجة إلى تحريرها مما اعتراها من سوء فهم أو ممارسة ، لكن كيف يتحقق ذلك ؟ بوسعي أن أجتهد في المسألة وأقول: بأن معيار الحب الحقيقي هو "العطاء" بلا شروط ، فالذي يحب وطنه لا ينتظر أي منفعة ، ولا يمكن أن يقايض محبته بأي ثمن ، والذي يحب بلده يستعد دائما للبذل والتضحية ، ولا يختزل "إحساسه" والتزامه في دائرة الكلام فقط ، فالكلام - هنا - لا يكلف صاحبه أي شيء ، وانما الامتحان الحقيقي للحب فيما يقدمه ويفعله.. لا فيما يردده فقط، خاصة وأن المتلاعبين بالعقول والعواطف والمشاعر كثروا هذه الأيام ، وراجت أسهمهم والمصيبة أن هناك من يصدقهم دون وعي منه، أو لغايات في نفسه، وتلك مشيئة الله، فقد تبلى بعض الشعوب ضمن ما بات يعرف بفقه الابتلاء ببعض المنغصات التي يحاول مخترعوها التأثير على مشاعر عامة الناس لتحقيق مآرب وغايات شخصية .
هل نبدأ ؟ وهل نستمر ؟
وعلى الجانب الآخر توجد في بلادنا نماذج مشرفة لهذا الحب الذي يتجاوز "شروط التعاقد" ومواسم المصالح والمنافع ، فما زلنا وسنظل نتذكر من ضحى بروحه ودمه من أجل الوطن - وما أكثرهم، صحيح إنهم لم يصلوا في هذا الوطن الذي أحبوه لمرحلة الكمال المثالية التي تخيلها "ميكيافيللى" أو غيره من الفلاسفة ، إلا أن بلوغ تلك الغاية أصلا يعتبر مستحيلا هلكت دونه دول عديدة ، بما فيها الدول الكـبرى والمتقدمة ، كل المطلوب منا الآن هو عدم تصديق الشائعات والحيل التي يطلقها المتلاعبون بالعقول والمشاعر، ويمارسون حربا نفسية ضدنا للتأثير على معنوياتنا ولذلك فإن كل إناء بما فيه ينضح، ولكن حين تكون هذه النضحات مسمومة ، فإننا يجب أن نحذر منها ، بتجاوز شائعاتهم وحربهم النفسية، وتركها تموت في أحضانهم، كالنار التي تموت من تلقاء ذاتها حين لا تجد ما تأكله وأن نقابلها بزيادة في حب وطننا .. كلما وجدناه يسير في طريق التطور والتقدم ، محاولا تحقيق طموحات أبنائه، وترجمتها إلى واقع يحقق لهم تطلعاتهم وآمالهم ، ويسير نحو تحقيق مفهوم الرخاء الاجتماعي وتوطيد دعائم دولة الحق والقانون، وإن كانت بطريقة متدرجة، لكنها متحضرة .. فتعالوا يا أبناء الوطن جميعا نطوى غضبنا ونبحث مع الذين فى يدهم صناعة القرار كيف نخرج من أزماتنا، تعالوا نعود للمشاركة دون تجريح أو خوف .. نعود بكل هذا الحب لبلادنا الذى أظهرناه فى 18 يوما، حتى إذا لم نجد تجاوبا من صناع القرار فليس معنى هذا أن نيأس من إمكانية تقويمهم، فربما تنطلق طاقة النور من هذه الظلمة، فهل نبدأ ؟ وهل نستمر؟ أدعو الله أن يوفقنا
ساحة النقاش