كتب : طاهر البهي
أهدتني الأديبة الواعدة "سارة أحمد"، باقة منوعة من إنتاجها القصصي البكر لأعلق عليها، وقد علمتني التجارب والخبرات المتنوعة في الصحافة والأدب ألا أنظر إلى ما أقرأه بمعيار السن وإلا لما كان القارئ قد قرأ لنا، ولذلك فأنا أقرأ ما يهدى إلي وأحيانا أسعى لاقتنائه إذا ما كان من الأعمال الجيدة المنشورة، وأمني نفسي بوقت ممتع واستراحة فكرية أسلم فيها عقلي لهذا الكاتب أو هذه الكاتبة، وليكن عمره أو عمرها ما يكون، وغالبا لا تخذلني النتائج إلا فيما ندر.. ولكني أبدا لا أندم!
ومع هذه الشابة المراهقة، فإنني استمتعت مرتين: الأولى منبهرا بقدرتها كمشروع أديبة ناضجة تحسن انتقاء أفكارها ثم تصطاد في مهارة فائقة مفرداتها البكر، وتصيغها في بساطة وأناقة تتميز بها الكتابات النسائية المغزولة في صبر وروية، كأنها قطعة فنية من " الكانفاة "، أو كأنها معزوفة موسيقية تلقائية نسائية لم تلتزم فيها العازفة بنوتة مدونة مسبقا، وسبحان الله أنني أسمع نفس القطعة الموسيقية من أنامل نسائية رقيقة أكثر إبداعا وتنغيما وتطريبا من أشهر وأقدر الموسيقيين الرجال الخشنين !
والأدب عند سارة لهو أدب أخلاقي تنتصر فيه دائما قيم الحق والخير والعدل والجمال، فكل قصصها نجد فيها انتصارا لهذه القيم، وكأنها تكتب لتعلمنا كيف تكون الحياة أكثر جمالا وبهجة ورقة، ففي مجموعتها القصصية من جد وجد، والجنة تحت أقدام الأمهات المعطاءات، كما أن الجزاء عندها من جنس العمل.
وأرجو ألا ينخدع القارئ في بساطة لغة ومفردات هذه الموهوبة الشابة فهي تتميز بالسهولة التى تشبه نعومة ثوب الحرير، والأهم من هذا التوقف أن نسأل كيف تغلغلت مفرداتها إلى عقل القارئ، فكم من كتاب كبار حاولوا أن " يخضوا القارئ " بمفردات مقعرة، فهبطت مفرداتهم كالمطرقة على رءوس القراء، وكانت النتيجة أن انفض من حولهم الجميع، وفي المقابل كان أعظم الفلاسفة والمفكرين والأدباء هم أكثرهم بساطة وسلاسة؛ حتى أن تبسيط العلوم أصبح فرعا من فروع منح الجوائز.
لا يعنى هذا أن الكاتبة الشابة وصلت إلى حد النضج الكامل، وليس معناه أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، بل أنني أتوجه إليها بالنصيحة المخلصة بأن أمامها مشوارا طويلا وعرا لابد من السير فيه بكل ما يحمل من معاناة ومشقة، ولابد من تنويع قراءاتها بين كلاسيكيات التراث شرقه وغربه ولاسيما أدب "نجيب محفوظ" في الرواية، وفلسفة "توفيق الحكيم" وحنكته في المسرح، و ريادة "يوسف إدريس" في القصة القصيرة، ثم الالتفات إلى الأدب الحديث، وخصوصا ما حقق منه رواجا جماهيريا ـ أقصد في الغرب تحديدا مثل "هاري بوتر" بأجزائه المتعددة ـ فالعالم أصبح بحق قرية كونية واحدة يؤثر ويتأثر بما يحدث في ركن منه.
وفي تقديري أنه إذا كانت هذه الموهوبة الشابة قد اختارت مجال الأقصوصة أو القصة القصيرة جدا، فإن هذا لا يعني عدم مقدرتها على كتابة الأعمال الأكثر طولا واستطرادا، فهي لا تخذلها مفرداتها، ولا تنقصها الفكرة، وإنما هي تطرق الباب بلطف ورقة سنها وحساسية المبدع التي ترضيها أن تهمس همسا وألا تكون ضيفا ثقيلا على قارئها ولا ببغاءً يثرثر.
"سارة" هي امتداد لكفاح وإبداع حواء العربية التي كلما أصابنا اليأس من ظهور جيل جديد من المبدعات فتحت لنا طاقة نور وشعاع أمل في آخر السرداب المظلم.
بقي علينا إن كنا حقا من أصحاب الرسالات أن نفتش عن هذه المواهب وننقب عن الذهب في بطون الجبال الشاهقة الارتفاع، وأن ننحت الصخور بدأب لنكشف النقاب ونزيل من فوقها التراب، وفي الوديان الوعرة غير الممهدة لظهور طاقات جديدة، ولكن إرادة الله أن تشرق شموس جديدة عقب كل غيوم .
ساحة النقاش