نقلة نوعية فى مشاعر الأمومة

بقلم :أمل مبروك

نقف اليوم والكلمات تكاد تتلعثم في الأفواه عاجزة عن الوصف.. كنا نفتخر حين نقرأ فى قصص الأجداد عن بطولاتهم وتضحياتهم، واليوم نعانى الخوف ونشعر به عندما تقترب المسافات بيننا وبين الأجداد، يمر شريط ذكريات الماضى في خيالنا يحمل بين طياته صورًا لخولة بنت الأزور والخنساء ونسيبة بنت كعب وأم سعد بن معاذ وغيرهن، بينما الحاضر يؤكد أنه لم ينتهِ بعد مشهد خنساء العرب من التاريخ، فقد تجدد منذ الثورة فى 25 يناير 2011 حتى الآن، وتسابقت خنساوات كثيرات في توديع أبنائهن، وإذا كان الله تعالى قد أودع في قلب كل أم حب أبنائها والخوف عليهم من التعرض لأي أخطار تواجههم, فإن مسئولية الأمومة هذه الأيام تضاعف من مشاعر الحب والخوف لدى الأم تجاه أبنائها، فنحن أمام أمهات من نوع آخر.. أمهات تعد الواحدة منهن مدرسة بأكملها : بثباتها ورباطة جأشها وصبرها وإيمانها وتواضعها.. هكذا هي المرأة المصرية وهكذا هى الأم التى عودتنا دائما أن تكون مصنعـًا لشباب وشابات يعرفون معنى المسئولية وقادرون على تحملها، ولذا تحيطهم بمزيد من العناية والرعاية بكل أشكالها حتى يجتازوا مرحلة الضعف ويكتسبوا القوة التي يستطيعون بها أن يدافعوا عنها وعن أنفسهم .

الخوف المبالغ فيه

ويعتبر من الشاذ سلوكيا أن تجد أماً لاتخاف على أبنائها ,.وبالطبع فالخوف المعتدل أمر محمود يدفعها أن تجعل ابنها نصب عينيها لتتابع كل تطور فيه وتكتشف مبكرا ما به من تغيرات تحتاج للتدخل سواء كانت بدنية أو سلوكية، لكن فرقا كبيرا بين وجود الخوف الطبيعى والخوف المفرط الذى تعانى منه معظم الأمهات فى العالم العربى الذى قامت به ثورات أو احتجاجات من أجل التغيير، وتظهر آثاره على تصرفاتهن, لدرجة أن بعضهن يكدن من فرط إظهار قلقهن ورعبهن على أبنائهن يزرعن في أنفس الصغار خوفا من كل شىء حولهم , وربما يصيبونهم بنوع من الجبن الشديد, الذى قد يؤثر عليهم تأثيرا بالغ السلبية بمرور الزمن .

ومرجع هذا هو الظروف التى نمر بها جميعا منذ قيام الثورة، وتساهم التجارب التي مر بها آخرون في جعل الأم تبالغ في إظهار خوفها وجزعها وقلقها المفرط على أبنائها , وربما تكون تجربتها هي نفسها مع ابنها الذى استشهد أو أصيب فى مظاهرة أدت لوقوع مشكلة من نوع ما قد سببت إكساب الأم سلوكا مَرضيا من القلق المبالغ فيه، وربما لا تكون الأم من الأصل مظهرة للقلق المبالغ فيه ولكنها قد تقع تحت تأثير ضغوط خارجية مثل برامج التوك شو التى تعتمد على الأخبار السلبية فقط للشباب الذين يموتون أو يصابون أو يعتقلون أو يختفون وتظل - تلك البرامج - تحلل وتفسر وتستطرد فى الكلام عن الغياب الأمنى وعدم تطبيق القانون ووجود انقسامات لاحصر لها بين التيارات السياسية، وبرامج أخرى لاتتحدث سوى عن الأمراض والمستشفيات العاجزة عن إسعاف وعلاج مرضاها، وثالثة عن انتشار أعمال البلطجة والخلل الأمنى فى الشارع، ورابعة عن الأيادى الخفية التى تعبث باستقرار البلاد، وخامسة عن تدهور الوضع الاقتصادى وارتفاع التضخم والبطالة

هذه هى الأم المصرية

كل هذه الضغوط ربما تجعل من حياة الأم وحياة أبنائها جحيما لا يطاق, ويكاد يصل بها الخوف عليهم لمرحلة من مراحل الهوس أو الهواجس المرضية, لكن الواقع يؤكد أن الأم المصرية - بالذات - لاتستسلم لتلك الهواجس وأنها تشجع ابنها الشاب على الخروج فى المظاهرات السلمية والتعبير عن رأيه، وأنها لاتغلق الباب على ابنتها الشابة ولاتمنعها من المشاركة فى المظاهرات والاعتصامات رغم كل محاولات تخويفها وتهميشها وإقصائها، بل تحثهم على السعى وراء حقوقهم وتحقيق طموحاتهم فى أن تكون مصر بلدا متقدما متحضرا يطبق كل مايتعلق بالمساواة والحرية والعدالة.

هذه هى الأم المصرية التى عندما تسمع عنها يخيل إليك أنها أتت من زمان غير زماننا، أو أن عاطفة الأمومة نُزعت من قلبها، وغُرس بدلا منها حب الوطن، إنها امرأة تنبض فيها كل معالم الحياة، لاتهزها المخاوف والظنون.. وهذه ولا شك نقلة نوعية في مشاعر الأمومة

المصدر: مجلة حواء -أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 620 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,458,632

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز