كتبت:نبيله حافظ
لست أدري إلى متى سوف يظل الشعب المصري يهدر وقته في الكلام ويضيع الفرص الواحدة تلو الآخرى في أشياء لا تنفعه بل تضره وتؤذيه؟ سؤالي هذا يأتي من المشاهد المتتالية التي أعقبت ثورة يناير والتي اتسمت جميعها بالعشوائية والغوغاء ، للأسف الشديد الغالبية العظمي لا تفعل شيئاً سوي الكلام والقلة القليلة هي التي تعمل وتؤثر الصمت وعدم الحديث عما تفعله...هذا هو حال أبناء مصر الأوفياء الذين يعشقون الوطن ويتفننون في خدمته والعمل علي حل مشكلاته ولا يدخرون جهدا في تقديم العون والمساعدة لأبناء شعبهم المحتاجين للمساعدة فطوبي لهم وهنيئا لنا أفعالهم وأعمالهم التي سوف يؤجرون عنها من المولي عز وجل.
وقبل أن أتحدث عن واحد من هؤلاء استعرض بداية واحدة من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع المصري والتي تهدد أمنه وسلامته وهي مشكلة أطفال الشوارع التي أصبحت وقودا مدمرا للثورة المصرية .. وباتت تنذر بثورة جديدة سيكونون هم وقودها وهي ثورة الجياع.. وهذه المشكلة ليست وليدة يوم وليلة بل هي وليدة عقود طويلة من التسيب والإهمال وإصرار من جانب النظام السابق في عدم حلها وتجاهلها تماما علي الرغم من التحذيرات الكثيرة التي أطلقها الشرفاء والمتخصصين في شئون المجتمع وكانت النتيجة المؤلمة والكارثية ملايين من أطفال الشوارع يمثلون قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أقرب فرصه..!
ولسنوات طويلة مضت كنا ننظر ونترقب من المجتمع المدني أن يقدم حلولاً فعالة لهذه المشكلة ولكن كل ما كنا نشاهده بالأمس البعيد والقريب مجرد ندوات ومؤتمرات لا تؤدي إلي نتائج فعلية علي أرض الواقع.. مجرد كلام في كلام وأوراق بحثيه تظل حبيسة الأدراج ولا تجد من يفعلها ويحولها إلي أفعال وأعمال ...ويا حسرتاه..!
وفجأة .. وفي ظل عتمة الواقع الذي نعيشه.. ومع الأحداث المؤسفة التي تحدث هنا وهناك خرج علينا الفنان المبدع محمد صبحي ــ بعد فترة طويلة من الصمت والغياب عن الساحة الفنية بأعماله الرائعة والجميلة التي أتحفنا بها طوال مشواره الفني الطويل ــ ليعلن لنا عن نجاح تجربته في إعادة تأهيل أطفال الشوارع وجعلهم أبناء أسوياء صالحين للمجتمع ، ليس هذا فحسب بل إنه اكتشف منهم مواهب فنية كبيرة لا تقل في قيمتها عن عمالقة الفن المصري في الغناء والتمثيل وأعلن أنه بصدد تقديم هؤلاء في أعماله القادمة .. هذا العمل الرائع والجليل لمحمد صبحي لم يأتي وليد اللحظة بل جاء بعد سنوات طويلة من الأحلام بعدها باتت الأحلام حقيقة وواقعاً ملموساً عندما شرع في بناء مشروعه مدينة سنبل للفنون والزهور والتي تتكون من عدة مشاريع ثقافية واجتماعية وإنسانية شعارها " الرحمة والتراحم في المجتمع " هدفها تقديم خدمات كثيرة للفئات التي تحتاج للمساعدة الإنسانية ومن بين هؤلاء أطفال الشوارع .
وبعيدا عن القاهرة بدأ محمد صبحي مشروعه المجتمعي في صحراء مصر وبالتحديد علي طريق مصر أسكندرية الصحراوي وظل لسنوات يعمل في صمت تام وعندما بدأت بشائر مشروعه في الظهور أعلن عن نفسه ونتائجه المذهلة .. انتقي صبحي مائتي طفل من الشوارع وأخذهم إلي مدينته ...أعاد تأهيلهم نفسيا واجتماعيا وقام بتعليمهم وتدريبهم علي مختلف أنواع الفنون انطلاقا من قناعته بأن الفن يطهر الإنسان ويطوره ويخلق لديه حساً من الشفافية.
هكذا كان محمد صبحي مواطناً مصرياً عاشقاً لتراب مصر مخلصاً لأبناء وطنه ، كان حلم عمره أن يرد الجميل للأرض الطيبة التي احتضنته سنوات عمره ولم تبخل عليه بالغالي والثمين.. في هدوء فكر .. وفي سكينة وصمت بدأ التنفيذ ، وفي سعادة كبيرة يعلن عن نجاح مشروعه الذي ولد منذ ثلاثين عاما...يا له من إنسان صبور كافح كل هذه السنين من أجل أن يبني مدينة فاضلة تتشابه مع مدينة أفلاطون فهنيئا له وهنيئا لنا بأبناء مصر الأوفياء..!
ساحة النقاش