كتبت:منال عثمان
مكتوب عليك ياولدى أن تتلقى هذه الصفعة من القدر فى بواكير عمرك الأخضر .. نقطة سوداء على صفحة حياتك التى بلا سطور تختم بها كلام لم يكتب بعد.. وما فى الدنيا أمر من أن تفقد أبويك قبل أن تنهل من شهد حنانهما وفضل رعايتهما .. ما فى الدنيا أمر من حياة قاحلة كالصحراء الجرداء.. صغير لايعرف طعم السكر ولا سلسبيل التدلل ولاعسل الطفولة بكل روعته .. لأنه فى ركن بعيد لدى أحد أقاربه ينتطر نظرة عطف أو لمحة رعاية أو فى مكان إيواء لا يعرف هذه المفردات... إنه اليتيم هذا المنكسر غدرا من ظروف لم ترحم طفولته الغضة الذى يكون دائما ضيفا يخجل أن يطلب من عمه أو خاله كحال الرائع الأسمر النجم الراحل "أحمد زكى" رغم وجود والدته إلا أنها تزوجت فحل ضيفا يتيما على بيوت أقاربه .. >>
أو لا تفارق مخيلته حتى الرحيل صورة طفولته المعذبة و السرير المعدنى والأرز فى الصحن الصاج فى الملجأ كالعندليب الخالد "عبد الحليم حافظ" ..اليتم ظرف قدرى قاهر للغاية يجعل طفولة صاحبه منطوية مهما جزلوا له فى العطاء فهو يشعر أنه عطاءً ملفوفا بغطاء الشفقة ولا يحمل طبيعة عطاء الأبوين الحقيقيين التى بلا شفرات بل تتدفق بلا عوائق .. اليتيم صاحب الروح المجروحة كان قضية مهمة ناقشتها السينما المصرية فى أُطر درامية قيمة وفى مراحل عدة من تاريخها
اليتيمتان
فيلم أخرجه الراحل "حسن الإمام" سنة 1948 م وكتب له السيناريو أيضا مع "بركات" ولعبت بطولته "فاتن حمامة،وثريا حلمى" ودارت أحداثه عن رجل يعثر فى الطريق على مولودة صغيرة يتبناها وتنشأ مع ابنته كأختين ويشاء القدر أن يموت الرجل وتصبح الفتاتين وحيدتين فتقررا الاعتماد على أنفسهما ويكافحن معا فى الحياة ، وتسافران معا لكن الظروف تفرقهما فتتعرف أحداهما على شاب من أسرة راقية يحبها ويعرض عليها الزواج لكنها تؤجل الموضوع لحين العثور على أختها التى تقع فى يد سيدة شريرة تدير وكرا للإجرام وبعد أحداث ومفارقات تتقابل الأختان وتنتهى رحلة شقائهما فى الحياة التى تبتسم لهما أخيرا .. وقبل هذا الفيلم الشهير بعامين وتحديدا سنة 1946م قدم المطرب القديم "محمد أمين" بطلا ومنتجا أمام "مديحة يسرى" فيلم (اليتيمة) من إخراج "فؤاد الجزايرلى"،وحكى الفيلم عن فتاة تنتحر وتترك طفلتها فى الشارع وتمر السنوات وتصبح الفتاة شابة تعمل ممرضة فى مستشفى يملكها ثرى وكان ثراؤه من تهريب الذهب ويقع فى حب الفتاة ابن هذا الثرى ويقرر أن يتزوجها لكن الأب يرفض ويعرف الابن حقيقة أبوه الذى يلقى جزاؤه ويتزوج الحبيبان.
جعلوني مجرما
فيلم "فريد شوقى" المعروف الذى قدمه سنة 1954 من إخراج "عاطف سالم" مع "هدى سلطان، ويحيي شاهين ،وسراج منير"، وقدم فيه دور الشاب الذى يفقد والديه فى طفولته فلم يجد من يحسن تربيته ويستولى عمه على ثروته ويبددها على حياته الصاخبة وملذاته ويضيع الفتى وتلتقطه عصابة للنشل و يضعه عمه فى إصلاحية أحداث وبعد أن يكبر فى الإصلاحية ويخرج منها يحاول أن يجد عملا شريفا لكنه يفشل وتدفعه ظروفه لينضم لعصابة مرة أخرى ويحب مطربة فى ملهى ينافسه عمه على حبها ويطارده فى كل مكان ويتهم ظلما فى جريمة قتل وتحاول المطربة التى تحبه بالفعل أن تحصل على دليل براءته وتنجح بمساعدة صديقه وتبحث عنه بعد هروبه من السجن لكنه يذهب لعمه ويقتله ليصبح اليتيم مجرما .... وفى تسعينيات القرن الماضى قدمت السينما قضيه اليتيم بأكثر من زاوية فمثلا فيلم (اليتيم والحب) الذى لعب بطولته "سمير صبرى" أمام "سحر رامى" وأخرجه "محمود فريد" عام 1993 حيث دارت أحداثه حول المهندس حسن الذى يربى ابنه الوحيد بعد وفاة أمه ويتلاعب المقاول فى مواصفات عمارة صممها فيتصدى له فيحاول المقاول القضاء عليه بتلفيق تهم يخرج منها حسن بصعوبة فيقرر المقاول خطف ابنه اليتيم و الذى كان دائما فى رعاية مدرسته التى تجمعها بوالده علاقة حب وبعد مطاردات تنجح الشرطة فى إعادة الطفل لوالده ، وكان هناك أيضا عام 95 فيلم (اليتيم والذئب) لـ"فاروق الفيشاوى،وإلهام شاهين" أخرجه "حسين عمارة".
على أية حال اليتيم ومأسوية ظروفه كانا صوب أعين سينمائية فى أكثر من حقبة سينمائية قدمنا بعضا منها تحية لليتيم فى عيده
الفن لحطة
تابعت المخرج أمير رمسيس وهو يتحدث عن فيلمه المهم ( يهود مصر ) على إحدى القنوات الفضائية،والفيلم يلقى ما يلقاه من تعنت من الأجهزة الأمنية لعدم عرضه.. يفعلون كل ما بوسعهم حتى لايرى هذا الفيلم النور على أرض مصر! رغم أهميته فى تسليط الضوء ولو لمرة سينمائية وحيدة على شكل وجوهر حياة اليهود الذين كانوا يعيشون فى مصر قبل ثورة 52،وقد عرفنا المخرج رمسيس من خلال المشاهد القليلة التى عرضت من الفيلم أو حديثه عن هذه الفكرة التى تعيش فى مخيلته منذ زمن طويل، وهذه الأسئلة التى كانت تراوده عن هذه الفترة وتراودنا نحن أيضا وقد حاول الإجابة عليها من خلال هذا البحث المضنى والمجهود الخرافى الذى قام به خصوصا أنه كما قال عاش فترة فى فرنسا وله أصدقاء هناك دلوه على بعض اليهود الذين تركوا مصر بعد 56 وذهبوا لفرنسا أو انجلترا ولم يذهبوا إلى إسرائيل،وقدم لنا نماذج من أجيال يهودية مختلفة منهم من هو مولود فى ستينيات القرن الماضى..أيضا سيدة عجوز مازالت تعيش فى مصر وتؤكد أنها لا تستطيع الابتعاد عنها،وعرفنا أيضا أن هناك يهودا مازالوا يعيشون فى مصر عددهم تقريبا مائة شخص ..
فيلم يهود مصر حمل إجابات لأسئلة عديدة قد تكون شافية لهذا التغيير التدريجى فى الهوية المصرية التى كانت مثالا رائعا فى هذا التعايش السلمى الرائع بين المسلم والمسيحى واليهودى فى مصر فى بدايات القرن العشرين وكيف سقط كل هذا عندما بدأ الخلط بين الدين والسياسة وتحولنا إلى مجتمع يرفض الآخر بل لا يراه.. الحقيقة نحن فى حاجة لمشاهدة هذا الفيلم كاملا وليس مشاهد ضئيلة منه فى برامج .. من المهم أن نرى ونسمع كيف كانوا يعيشون مع الأجيال السالفة؟ وكيف ارتبطوا بمصر؟ نحن لا نعرف ما المشكلة وما الذى يؤرق الأجهزة الأمنية من هذا الفيلم الذى قد يكون الشاهد الوحيد والأخير - لأن معظم من تحدثوا من اليهود طاعنون فى السن - على فترة مهمة فى حياتنا
ساحة النقاش