كتب :محمد الحمامصى
لا أظن أمًّا أو أبا من آبائنا وأمهاتنا لم تطارد ابنها ليل نهار منبهة ومحذرة إياه من رفقاء السوء، بل إنني أعرف آباء وأمهات يشكل خوفهم من رفقاء السوء وتأثيرهم على أبنائهم هاجسا مؤرقا، ولهم كل الحق في الخوف والتوجس خيفة ، فرفيق السوء لعنة تهدد حياة صاحبها بالخراب والدمار.
قد يجر هذا الرفيق صاحبه إلى الإدمان أو السرقة أو الكذب أو النصب والاحتيال أو تبني أفكار تخريبية، ووسائل الجر تتمثل في الإقناع تغريرا وإغراء بأن هذا الفعل أو السلوك أو العمل أو الفكر فيه متعة أو خير أو جنة ، فمن كانوا يربطون على بطونهم المتفجرات ويفجرون أنفسهم وغيرهم من الأبرياء هنا أو هناك، كانوا يرتكبون هذا الإجرام وفقا لتأكيد جماعة الرفقاء لهم بأن هذا العمل بطوليا واستشهاديا ومن يفعل ذلك فهو شهيد مثواه الجنة.
وقد حذر المولى عز وجل من رفيق السوء هذا إذ قال " وَيَوْمَ يَعَض الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً " ، إنّها صورة من صور الندم يوم القيامة ؛ صورة تبيّن عاقبة كل من أطاع خليله وانحدر مع رفقائه إلى أوحال المعصية.
وحسبنا ما قاله النبي الكريم في شان رفقة السوء " إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة ".
رفقاء السوء منتشرون في كل مكان مدرسة كان ، أو جامعة ، أو مؤسسة ، أو هيئة ، أو وزارة ، أو حكومة أو ...، ولا يسلم منهم غفير أو وزير أو رئيس أو سلطان، وعلى مدار التاريخ هناك من يحذرون من السلطان ، من حاشيته ومستشاريه وبطانته ، ويطالبونه بأن تكون صالحة ووطنية وعارفة ومستنيرة، حتى إذا طلب نصيحتها جاءت النصائح متوازنة وواعية ومخلصة لمصالح الأمة ، وإذا استشارها أشارت عليه بالصالح والصحيح وما يخدم رعيته ويحقق لها الأمن والأمان والاستقرار.
ووفقا لذلك أرى أن ما يجري من تخبط في مصر اليوم، والنتائج المترتبة عليه في الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني وهلم جرا، ما هو إلا جراء رفقاء ومستشاري السوء والبغضاء الذين ينتشرون في كل مكان مثل النار في الهشيم بحثا عن المال والنفوذ والسلطة ، ويحملون في قلوبهم وعقولهم جهلا وغباء وحماقة لا نظير لها، والمشكلة أنهم يدركون ما يدسونه في عقل هذا المسئول أو ذاك من تخريب، وللأسف لا يدرك هذا المسئول أو ذاك أنه مساق ومدسوس له وأنه يدفع إلى حتفه.
إنها مصيبتنا أن رفقاء السوء أو مستشاري السوء لا خلاق ولا ضمير ولا وطنية لهم ، مندسون في كل مكان، لا يتورعون عن استخدام أقذر أنواع الوسائل والطعوم لاصطياد ضحاياهم ، هؤلاء الضحايا الذين للأسف غالبا ما يكونون ضعفاء النفوس والوعي والإدراك ، ويعانى أغلبهم من خلل عقلي أو جسدي.
وهنا لا نملك إلا التحذير، نحذر أبناءنا وفتياتنا ورجالنا ونساءنا ومسئولينا، احذروا رفقاء السوء ولا تغرنكم أو تخدعكم مظاهر لطفهم ومحاولات توددهم ، وتنبهوا لدسائسهم ومؤامراتهم ، فهم كما قال كاتبنا مصطفى لطفي المنفلوطي "مثل البعوض لا تحسّ به إلا بعد اللّسع"
ساحة النقاش