كتبت: امل مبروك

فى عمر الأوطان تمر دهور وأعوام .. لكننا لا نتوقف إلا قليلا عند أيام يتغير فيها مجرى تاريخها.. فتسطر أمجادا لا تمحى أبدا من ذاكرة الشعوب.. قبل 30يونيو مرت على مصر حقب ومراحل كثيرة.. شهدت انتصارات وانكسارات.. أمجاداً وإحباطات.. وها نحن جميعا نتوقف ونترقب ماذا سيحدث بعد30يونيو؟!

وكما كان 25يناير من عام 2011 يوماً فاصلاً فى تاريخ مصر، لأن الأوضاع بعده اختلفت جذرياً عما كانت عليه قبله، أظن أن يوم 30 يونيو من عام 2013 سيكون بدوره فاصلاً فى تاريخ مصر، وسيؤدى حتماً إلى اختلاف الأوضاع بعده عما كانت عليه قبله اختلافاً جذرياً.

الجماهير المتطلعة للحرية

غير أن أكثر ما يثير التأمل فى تلك الأوضاع- القديمة والمتجددة معا- يكمن فى ذلك الارتباط بين هذين التاريخين وفى الدلالة العميقة الكامنة وراء اختيارهما كمواعيد تم تحديدها سلفا لبدء الانطلاق على طريق التغيير.

فطلائع الشباب المصرى التى تحركت عام 2011 للتعبير عن رفضها لنظام مبارك، اختارت الذكرى السنوية لعيد الشرطة كموعد لبدء هذا التحرك، رغبة منها فى التأكيد على الطبيعة الاستبدادية لنظام اعتمد على القمع كوسيلة لضمان بقائه وللهيمنة المنفردة على مقاليد سلطة يراد توريثها للابن.. ولا شك أن اختيار هذا التاريخ كان عبقرياً، نظراً لقدرته التعبوية على حشد الجماهير المتطلعة للحرية والرافضة لنظام جسد تحالف الفساد والاستبداد فى أبشع صوره، أما الطلائع التى دعت الشعب يوم 30 يونيو للتحرك لرفض النظام الحالى فقد تعمدت اختيار الذكرى الأولى لتولى الدكتور محمد مرسى مقاليد السلطة موعدا لبدء تحركها الرافض لهذا النظام الذى فشل فى تحقيق أهداف الثورة .

ولا جدال فى أن الأوضاع القائمة فى مصر اليوم تختلف عن الأوضاع التى كانت قائمة عند انطلاقة الثورة المصرية يوم 25 يناير من عام2011، فقد كان التحرك الذى قادته الطلائع الشبابية وفجر ثورة الخامس والعشرين من يناير قد دفع فى اتجاه الفرز بين قوى سياسية واجتماعية أسفر عن ظهور معسكرين: أحدهما يصر على إسقاط مبارك وتغيير النظام الذى يمثله والآخر يتمسك بالنظام القائم أو يحاول إنقاذ ما يمكن أن يتبقى منه، ولأن الأغلبية غير المنخرطة فى أحزاب سياسية منظمة انحازت للقوى المطالبة بالتغيير، ورفض الجيش المصرى فى الوقت نفسه أن يتحول إلى أداة لقمع إرادة الشعب والانحياز إلى مشروع توريث السلطة، فقد كان من الطبيعى أن ينهار النظام الحاكم بمجرد انهيار الأجهزة الأمنية التى اعتمد عليها. لذا فما إن أجبر رأس النظام على التنحى حتى بدأت مرحلة انتقالية جديدة أدارها فى البداية المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل أن تنتقل مسئولية إدارة ما تبقى من هذه المرحلة إلى جماعة الإخوان عقب فوز مرشحها فى الانتخابات الرئاسية.

الحصن الوحيد للانطلاق

أما الأوضاع الحالية فقد وصلنا إليها بسبب غياب قوى سياسية أخرى على الدرجة نفسها من التنظيم الذى يسود جماعة الإخوان المسلمين، ولذا لم يكن لدى أغلبية المواطنين المصريين ما يحول دون منح الجماعة الفرصة لممارسة شئون الحكم، انطلاقاً من فرضيتين أساسيتين، الأولى: الاعتقاد أنهم أناس يخشون الله وتربوا على مكارم الأخلاق، وبالتالى يفترض أن يكونوا أقل فساداً من رجال النظام السابق. ولأنهم أكثر من وقع عليهم الاضطهاد ودفعوا أفدح الأثمان، يفترض أن يكونوا أقل ميلاً للاستبداد وممارسة الاضطهاد فى مواجهة المحكومين، والثانية: أن لديهم تنظيماً قوياً ومحكماً يمارس العمل العام منذ ما يقرب من قرن، وبالتالى يفترض أن يكون لديهم من الكوادر ما يتيح لهم القدرة على ممارسة شئون الدولة والحكم بكفاءة أكبر، لكن الشعب لم يلمس أيا من ذلك على أرض الواقع، فكان نزوله بكثافة إلى الشوارع والميادين فى 30 يونيو، وإصراره على البقاء إلى أن تتم الاستجابة لمطالبه، وهو مايفتح باباً جديداً للتغيير، كما يفتح صفحة جديدة من تاريخ مصر نأمل أن تكون أكثر إشراقاً. غير أنه يتعين أن يكون الجميع على قناعة تامة بأن المصالحة الوطنية ستكون فى النهاية هى الحصن الوحيد للانطلاق نحو تأسيس نظام أكثر كفاءة وعدلا.

ويتعين علينا أيضا أن ندرك أن هناك بالتأكيد من يصيد فى الماء العكر، ويحاول انتهاز فرص الأخطاء القاتلة التى تقع من كلا الطرفين لتأجيج نيران الغضب وإشاعة مزيد من الفوضى، وفى تصورى.. لن يستطيع أى من الفريقين إقصاء الآخر، وحتى لو أجريت انتخابات رئاسية مبكرة وأدت إلى فوز واحد من غير "الإسلاميين"، فسوف تبقى الحلقة الجهنمية مستمرة وقائمة.. القضية الكبرى هى كيف يمكن أن يحدث التعايش بين أصحاب المرجعيات المختلفة.. لقد كانت هذه هى مسئولية الدكتور مرسى بالدرجة الأولى، لكنه للأسف فشل فى تحقيقها  

المصدر: مجلة حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 392 مشاهدة
نشرت فى 7 سبتمبر 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,777,747

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز