كتبت : منار السيد

البداية كانت دائما خطأ .. بداية تعليمنا لأطفالنا .. بداية إهمالنا لطاقتهم وقدرتهم.. بداية هدمنا لأحلامهم .. وبدايات كثيرة كانت خطأ .. ولكن البداية هذه المرة هي الخطوة الأولى على طريق النجاح لأن البداية كانت من مجموعة من الشباب بمختلف المجالات الذين قرروا أن يبدأوا البداية الصحيحة في مشروع "البداية من هنا". 

تدور الفكرة حول مجموعة من الشباب تطوعوا لمساعدة الأطفال من طبقات بسيطة على التعليم وتعلم المهارات ومساعدتهم على أن يصبحوا عنصرا فعالا في المجتمع له حلم يسعي لتحقيقه ويحجز لنفسه مكانا في المستقبل  .. هذا هو هدف "البداية من هنا" وهو كيفية مساعدة الطفل على أن يكون إنسانا له فكر و حلم.

 

تقول هديل إدريس باحثة تسويقية وإحدى مؤسسي "البداية من هنا المعادي":البداية كانت مع  إحدي مؤسسات الفكرة حينما كانت  تشرح لابنة حارس العقار واكتشفت أنها تجهل حتى القراءة والكتابة بالرغم من مواظبتها على الذهاب للمدرسة ولكن بدون فائدة، واقترحت عليها أن تحضر أبناء حراس العقارات المجاورة لهم لمحاولة مساعدتهم على تعلم مباديء القراءة والكتابة ومن هنا انطلقت الفكرة في عقول منفذيها والذين هم مجموعة من الشباب والفتيات من الطلاب الجامعيين وشباب يعملون في مجالات مختلفة منها الاقتصاد والتعليم والاتصالات وغيرها.

 وما أن بدأ الشباب المرور بأنفسهم على العمارات المحيطة بالمركز التعليمي الذي سيتم  التدريس فيه ودعوة أبناء حراس العقارات لحضور الفصول المجانية إلا واستجاب الأهالي والأبناء بسرعة .. لكن المفاجأة كانت عند أول اختبار لمستوى الأطفال التعليمي، وحقيقة أنهم وصلوا للصف السادس الابتدائي وهم لا يعرفون الفرق بين حرفي الميم والنون، ولايعرفون شيئا عن عمليات الجمع والطرح ومن هنا قررنا أن تكون "البداية من هنا" حيث نبدأ من الصفر مع الأطفال ونعمل على التركيز مع عدد قليل منهم وتدريس كل المواد الأساسية لهم بشكل مفصل.

المعادي

وبعد نجاح الفكرة والإقبال من الأطفال فكرت في تنفيذها بمنطقة المعادي في أواخر عام 2011 ودرست الفكرة مع أصدقائي وبدأنا في البحث عن مكان مناسب للتدريس وبصراحة وجدنا إقبالا من بعض أصحاب الحضانات على إعطائنا المكان يوم الجمعة بدون مقابل من أجل التدريس للأطفال، ولكننا وجدنا أن الحضانة ليست المكان المناسب لأطفال يتراوح عمرهم بين الصفي الثالث والسادس الابتدائي لصغر حجم الكراسي والسبورات، وركزنا بحثنا على المراكز التعليمية وبالفعل وافق صاحب أحد المراكز على تخصيص يوم الجمعة لنا من أجل التدريس للأطفال، ومن هنا كانت بدايتنا في المعادي.

 

صفر

 

وتقول هديل إننا انتقلنا للمرحلة الثانية وهي إقناع الأطفال والأهالي على أن يحضروا للمركز، ووجدنا إقبالا من أبناء حراس العقارات المحيطة بنا بجانب بحثنا عند مستشفى النخيل وحرصنا على أن يكون حضور الأطفال بموافقة من أهلهم لمساعدتنا على توصيل رسالتنا بطريقها الصحيح ونجحنا على البداية في 14 أكتوبر 2011.

وفي أول يوم فوجئنا بحضور 6أطفال وهذا حملنا المسئولية بشكل أكبر لأننا شعرنا برغبة هؤلاء الأطفال فى التعليم وأن كل ما يحتاجونه هو فرصة، وبدأنا اليوم بعمل اختبارات تحديد المستوى التعليمي لهم وبالرغم من اختلاف مراحلهم الدراسية إلا أن النتيجة كانت واحدة وهي "صفر" وقررنا أن نبدأ بتعليمهم منذ البداية من حروف الهجاء والأرقام.

 

بناء شخصية

وتضيف هديل عقدنا اجتماعات عديدة لوضع الخطة والمنهج الذي يهدف لبناء شخصية من الصفر، فهدفنا هو بناء شخصية متكاملة الأركان، والذي يعتبر التعليم فيها وسيلة لتحقيق حلمه، لذلك كان يجب أن نفكر في كيفية تسهيل العملية التعليمية لأطفال يتدرجون في المراحل التعليمية دون معرفة حتى كتابة اسمهم دون مبالغة، فقررنا أن نسير على الأسس المتطورة في العملية التعليمية والتي تتم على أساس البحث والفهم وليس الحفظ مثلما يحدث في العملية التعليمية في مصر.

وتأكدنا أن هذه هي البداية الصحيحة وعلى هذا الأساس تم اختيار المعلمين وتفاهمنا معهم على هدفنا من هذه المبادرة، وبدأت العملية التعليمة مع الأطفال من البداية، وعملنا على التواصل مع الأهالي باستمرار لضمان توفير جو مناسب للطفل وخصصنا أخصائي نفسي لمراقبة الأطفال ومتابعة  يومية لهم ولحالتهم النفسية ومشكلاتهم لمحاولة حلها، وكل جمعة من 9 صباحا حتى 5 مساء يتم فيها  التدريس للأطفال، وخصصنا مكانا لعرض الكتب لتعليمهم كيفية البحث عن المعلومة كما أن التجارب العلمية ننفذها سويا بشكل عملي لتقبل المعلومة حتى في اللغة الإنجليزية فبعد الانتهاء من تعليمهم الحروف وجدنا أنه لا يثبت في عقلهم الكلمة الإنجليزية مثل مرادفها بالعربية، لذلك فضلنا أن نعلمهم الإنجليزية بمرادفها بالإنجليزية وقد يندهش البعض من النتيجة ففي البداية تفاجأ الأطفال ورفضوا أن يصدقوا أنهم بإمكانهم فعل ذلك ومع التكرار وبعض المحاولات مثل الإشارات ساهم ذلك بشكل كبير في تدريسهم الإنجليزية بالطريقة الصحيحة.

مهارة حرفية

وأيضا من التجارب التي لاتنسي هي تجربة تعليمهم اللغة الألمانية بعد عرض إحدى صديقاتي في محاولة تعليمهم اللغة، والشيء المبهر أنهم أحبوا ذلك وتجاوبوا معها وطالبوني باستمرار تعليمهم اللغة الألمانية لأنهم ببساطة يتعرضوا لتجارب لم تكن في تخيلهم أو تفكيرهم أنهم قد يصلوا إلى هذه المرحلة.

هذا بالإضافة إلى تعليم المهارات وخصوصا بعد أن فكرنا في خلال الفترة الصيفية تعليم هؤلاء الأطفال مهارة حرفية لأن غالبية الأطفال التي نتعامل معها من طبقة بسيطة ممن تحتاج للعمل خلال الفترة الصيفية لشراء ما ترغب فيه أو لمساعدة عائلته  ولأننا نبذل قصارى جهدنا من أجل الحفاظ على الأطفال وتربيتهم وتعليمهم بالطريقة الصحيحة ففكرنا في تعليمهم مهارة حرفية تفيد من منهم يريد العمل خلال فترة الإجازة .

نماذج مشرفة

وعندما سألت هديل عن بعض العقبات التي تواجههم في التعامل مع الأطفال أجابت: بالفعل قابلنا بعض العقبات في البداية في التعامل مع بعض الموروثات المتشبع بها الطفل والأفعال التي يصدرها والأهالي الذين لايهتمون بمستقبل أبنائهم ويفضلون أن يبقوا يوم الجمعة لتلبية احتياجات سكان العمارة أو البنات اللاتي يساعدن سكان العمارة في أعمال التنظيف، ومن هنا كانت المشكلة التي عملنا على حلها مع بعض الأهالي ومنهم من تقبل وللأسف منهم من صعب عليه فكرة التقبل بأن ابنه أو ابنته قد يكون ذات شأن وكيان مختلف عن جلباب أبيهم، وهذه مشكلة كبيرة أيضا واجهتنا مع الأطفال فهم في البداية كان الحلم والفكر المسيطر عليهم هو أن يصبح حارس عمارة مثل أبيه أو زوجة حارس عمارة مثل والدتها، وهذا ماعملنا على محوه من فكرهم وإعطائهم فرصة للحلم والتخيل والسعي والإصرار على تحقيق هذا الحلم .

وكيف وصل حال الطلاب الأطفال بعد عامين من البداية؟

وصلوا لمرحلة لايمكن أن يتخيلها أحد  فبقي معنا 20 طفلا مستمرين من البداية حتى الآن، فعندما سألت أحد الأولاد وقلت له "نفسك تشتغل إيه لما تكبر؟" أجابني "نفسي أكون صاحب ورشة، فقلت له ولماذا تتعلم إذن قال لي " لأتعلم كيف أديرها "، وهذا هو هدفنا فنحن لم نهدف أن يكون هؤلاء الأطفال جميعهم أطباء ومهندسين، لا نحن فقط نريدهم أن يسلكوا الطريق الصحيح والفكر الذي يساعدهم على تحقيق حلمهم، فنحن خلال عامين ساعدنا ومازلنا نساعد الأطفال على تعريفهم على قدراتهم وإمكانياتهم  لأن يكونوا عناصر مؤثرة وناجحة في المستقبل، لذلك حددنا فترة النموذج  تستمر 3 سنوات ونصف نستطيع من خلالها أن نشبع الطفل احتياجاته الأساسية من القدرات والمهارات والقدرة على التطور والتناسج في خيوط المجتمع ليصبحوا بعد هذه الفترة مساعدين لنا في المركز ليساعدوا أطفالا جدد وينقلوا لهم خبرات ما اكتسبوه، وهذا هو الأسلوب الذي اتبعناه مع الأطفال ليشعروا بقيمتهم وقدرتهم على تحمل المسئولية وقد نجح هذا الأسلوب  قبل انتهاء فترة النموذج حيث يحاول بعض الأطفال مساعدتنا على تعليم غيرهم فهم حقا أصبحوا وسيكونوا نماذج مشرفة.

 

وتنهي هديل حديثها حيث تقول نسعى للتطوير أكثر وعمل دراسات ميدانية وتزويد الشباب ببرامج لتطوير قدراتهم للتعامل الصحيح مع الأطفال، ولأن الكثيرين طلبوا منا إنشاء فروعا في المحافظات قررنا القيام بوضع الخطة والمنهج لبداية في وثيقة لضمان نجاح أي فرع  قد نفكر في إنشائه مثلما حدث في فرعيّ مدينة نصر والمعادى، ونؤكد أن كل من يقوم على هذا المشروع هو متطوع دون أي مقابل اقتناعا منه بأهمية هذه الفكرة، وكل من ساعدنا ويساعدنا تطوعا لإيمانهم بحق هؤلاء الأطفال في الحلم والمستقبل.

 

 

المصدر: مجله حواء-منار السيد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 485 مشاهدة
نشرت فى 23 نوفمبر 2013 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,830,655

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز