كتبت : امل مبروك

السياسة بما فيها من جدل وصراع، هى خطوة متقدمة فى طريق طويل بدأناه فى 25 يناير 2011، والخطوة الأولى فيه هى حد أدنى من أخلاق كالصدق والوفاء بالوعد، والثانية هى الثقافة العامة مثل معرفة مصطلحات كالمواطنة والدولة والديمقراطية وإدراك معناها الأشمل وليس فقط حكم الصناديق ولا حكم الشارع، ثم خطوة الآداب العامة وعلى رأسها احترام حق الآخرين فى التعبير عن أنفسهم وآرائهم وفى أن نحترم خصوصيتهم، ثم تأتى السياسة بعد ذلك بكل تعقيداتها، وبالطبع لم نكن حريصين منذ فترات سابقة وحتى الآن، أن نأخذ فى اعتبارنا أخلاقاً ولا ثقافة عامة ولا آداباً عامة.. بل كنا كمن دخل إلى حلبة الصراع السياسى بسرعة دون أى استعداد من أى نوع، فتحول الأمر إلى سلسلة من العنف والشتائم والتخوين المتبادل.. ثم الإحباط .

 

جيل متمرد وجامح

يعيد المصريون اليوم اكتشاف هويتهم على أسس جديدة، ويختبرون الكثير من المقولات الأيديولوجية التى ملأت حياتهم الثقافية والسياسية، وكل هذا ماهو إلا عملية إجبارية ومقدمة ضرورية لبناء أى مجتمع جديد على أنقاض مجتمع فقد قدرته على الاستمرار، والجيل الجديد مختلف عن الأجيال القديمة ليس لأنه أفضل، ولكنه لأنه جيل متمرد وجامح، وهذا فى حد ذاته ليس معناه أننا لن نواجه إحباطا عظيما، ولكن معناه أنه بعد هذا الإحباط قد يكون هناك إنجاز أعظم، وكل من يشعر بالإحباط يوضح له علم الذكاء العاطفى أن ما يشعر به يعبر عن صراع مبادئ ومشاعر وتضارب معلومات ومصالح فى ذهنه، وأن عليه أن يوجه لنفسه ثلاثة أسئلة، أولاً: هل كان بإمكانى أن أفعل شيئاً لم أفعله لوقف الإحباط والتعاسة التى أعيش ويعيش فيها الآخرون ولم أفعله ؟ ثانياً: هل أنا محاط بأشخاص يساعدوننى على أن تكون رحلة حياتى أفضل وأنجح وأسعد ؟ ثالثاً: هل ساعدت أو أسعدت شخصاً واحداً على الأقل بشكل دورى؟  وليته يكون أميناً فى الإجابة عنها..وكل إنسان أعلم بنفسه وبظروفه المحيطة به. 

بالنسبة للسؤال الأول: أعتقد أن قطاعاً واسعاً من المصريين يحمّلون أنفسهم فوق ما يطيقون، ويتصورون أنهم كانوا يستطيعون أن يغيروا القدر الذى هو مكتوب منذ الأزل، قال تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ وَلا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" إذن، فلنخفف على أنفسنا قليلاً، فإرادة الله ليست حاصل إرادات البشر، والله - سبحانه وتعالى - قال لنا أين طريق الحق وأين طريق الضلال، وترك للناس كل الناس أن تختار، المهم ألا تكون أنت طرفاً فى هذا الضلال، ولو أن أغلبنا فرَّغ نفسه وطاقته لمجال تخصصه الأصلى أو لعمله الذى يقتات منه وأبدع فيه وحقق نجاحات تسعده، لربما وجد الطاقة الإيجابية المسيطرة على تفكيره أضعاف الطاقة السلبية. 

بحر العطاء

السؤال الثانى الخاص بمن الذين أنت محاط بهم، سؤال مهم لأن "الجحيم هو الآخرون" على حد تعبير الفيلسوف جان بول سارتر، وهى لا تعنى اعتزال الناس، فهذا عمل غير إنسانى وفقاً للقول الشعبى الشهير: "جنة من غير ناس ما تنداس"  ولكن تخير من إن جلست معهم أو استمعت إليهم أو قرأت لهم ابتسمت وشعرت بالتفاؤل والرغبة فى "حياة غنية بمادة الحياة، أى الأمل والعمل" مثلما قال الأستاذ العقاد، وفى الزمن الذى نعيش فيه تجنب من يدخلون يومك ليسمموه بأفكارهم الانتحارية ورغبتهم الانتقامية، لا تسخر منهم ولا تنل من مشاعرهم، حتى لا تكون أنت سبباً فى تسميم حياتهم، ولكن كفَّ أذاهم عنك، والآية الكريمة بالغة الدلالة فى هذا المقام: "وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِى الْجَاهِلِينَ" ولكن لا بد أن يكون واضحاً أن ما سبق ينطبق فقط على السوء والضرر والأفكار السلبية التى لا تستطيع ردها أو دفعها أو تغييرها، ولكن ما تستطيع دفعه ورده وتغييره فعليك أن تفعل ما تستطيع حياله.. هذا اختبار أنت موضوع فيه دينياً وأخلاقياً، ومن الأجدر بك أن تجعل جهدك خالصاً لوجه ربك ولا تجاهر أو تتاجر به. 

السؤال الثالث، وهو عن مساعدتنا أو إسعادنا للآخرين بشكل دورى، وهذه نعمة من الله لا يعرفها إلا من توافرت لديه نعمة العطاء، وما جزاء الإحسان إلا الإحسان.. من يستشعر التعاسة بحق، فعليه أن يقفز منها إلى بحر العطاء، ساعد شخصاً ما فى أمر ما دون أن تنتظر منه جزاءً ولا شكوراً. اذهب إلى دار أيتام وخذ معك بعضاً من اللعب والهدايا وأعطهم بعضاً من وقتك بقدر ما تستطيع. اذهب إلى مستشفى وتبرع بدمك (لكن تأكد أنهم لن يبيعوه)، افعل خيراً لأحد وارمه البحر. 

 

 

المصدر: مجله حواء -امل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 350 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,456,193

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز