<!--

<!-- <!-- <!-- [if gte mso 10]> <mce:style><!-- /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt; mso-para-margin:0in; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} --> <!-- [endif]---->

آخر وصايا مانديلا للمصريين

لجنة المصالحة والحقيقة

 

بقلم : أمل مبروك

 

الاستفادة من تجارب الآخرين بغض النظر عن نجاحها وفشلها فطرة ألهم الله سبحانه وتعالى بها عباده منذ بدء الخليقة، ولعل وفاة الزعيم المناضل نيلسون مانديلا جعلت الكثيرين يتذكرونه كواحد من أكثر الشخصيات التى حظيت بالاحترام والتقدير على مستوى العالم، ليس فقط لكونه قاد كفاح مواطنيه السود لإلغاء نظام الفصل العنصرى الذى طبق بمنتهى القسوة فى جنوب أفريقيا وتسبب ذلك في سجنه لمدة 27 عاما، رفض خلالها أن يقايض حريته بمبادئه التي آمن بها، ولكن لكونه استطاع أن يقود بلاده نحو التحول لدولة ديمقراطية متعددة الأعراق.

السيطرة على الغضب الجماهيرى

لقد أخذت عدة دول بتجربة جنوب أفريقيا فى المصالحة الوطنية بعد أن نجحت نجاحا منقطع النظير وتفادت حربا أهلية كانت شبه مؤكدة لولا التدخل الفعال لمانديلا ونجاحه في السيطرة على الغضب الجماهيري الهادر، فبعد عدة قرون من ممارسات نظام التمييز العنصري الدموية وحروب الإبادة ضد السكان الأصليين التي راح ضحيتها الملايين من البشر، ولما كان الخوف شديدا من وقوع مجازر ثأرية وعمليات انتقامية واسعة تفضي إلى حرب أهلية شاملة بين الأفارقة والسكان البيض فقد تفتقت العبقرية الشعبية عن حل معقول مفعم بالشهامة والعدالة يضمن تحقيقا دقيقا وعلنيا أمام الضحايا .. مع المتهمين والمسئولين المباشرين عن أعمال القمع في النظام العنصري من قبل لجنة خاصة أطلق عليها اسم "لجنة المصالحة والحقيقة".

وبداية الفكرة كانت عندما واجه مانديلا خلال فترة رئاسته عام 1994 أزمة طاحنة، واشتد عليه الضغط الشعبي ليحاسب كل من ظلم واستبد وارتكب جرائم ضد المواطنين السود الأبرياء، لكنه استطاع عبور الأزمة وحسم الأمر تماما عن طريق تلك اللجنة التى تقوم فكرتها على اعتراف رجال السلطة بجرائمهم مقابل طلب العفو عنهم، حيث وضع مواطنيه أمام خيارين : إما التعلق بالماضى أو النظر للمستقبل، وقد فضل مانديلا المصارحة والمصالحة على المحاكمات والمصادرات والمصادمات الدامية، وكانت اللجنة عبارة عن هيئة لاستعادة العدالة وبموجبها فإن الشهود الذين كانوا ضحايا لانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان يتم دعوتهم للإدلاء بشهادتهم واختير بعضهم لجلسات عامة، وفي نفس الوقت فإن مرتكبي أعمال العنف كان بإمكانهم طلب العفو من الملاحقة الجنائية والمدنية، ورأت اللجنة أن هذه الجلسات حيوية لتحقيق أحد أهدافها القانونية وهو إعادة الكرامة الإنسانية والمدنية لهؤلاء الضحايا، وخلال فترة الثمانية عشر شهراً التي عُقدت خلالها هذه الجلسات العلنية، روى مئات الشهود حكايات تفطر القلب حول التعذيب وسوء المعاملة اللذين مارستهما الشرطة وعدد كبير من المسئولين ومتخذى القرار، وفى الوقت نفسه  كان يؤتى بمرتكبى أعمال العنف ضد ضحايا التمييز العنصري ليدلوا بشهاداتهم العلنية ويطلبون العفو من الملاحقة المدنية والجنائية .

جلسات العفو العلنية

وكان من سلطات اللجنة منح هذا العفو، وكذلك منح التعويضات للضحايا وورثتهم، كما أعطيت صلاحيات أخرى واسعة واستثنائية قياسًا إلى "لجان الحقيقة" التي تشكلت قبلها للنظر في انتهاكات حقوق الإنسان فى الدول الأخرى مثل تحديد موعد منح الأهلية السياسية التي تتيح للمتهم مزاولة حقوقه السياسية، كما اعتمدت تصوّر العفو المشروط أو الجزئي كسبيل لتحقيق العدالة بدلاً من العدالة العقابية، تلقت اللجنة حوالى سبعة آلاف طلباً للعفو، أغلبيتها من سجناء كانوا يعملون فى الأجهزة الأمنية والقمعية الحكومية وكانت لجنة أخرى من اللجان الفرعية التابعة للجنة الحقيقة والمصالحة - وهى لجنة العفو المستقلة ذاتياً، والتى ترأسها قاضٍ فى المحكمة العليا- مسئولة عن النظر فى هذه الطلبات والبت فيها. وجرى البت فى العديد منها على أساس الأوراق المقدمة، من دون عقد جلسات، لكن في ألف حالة على الأقل، تمّ التوصل إلى قرارات حول الطلبات عقب عقد جلسات علنية أمام لجنة العفو .

 

لقد حقق عمل اللجنة نجاحا واسعا فى إعادة اللحمة (الرابط الاجتماعي) للشعب الجنوب أفريقى ويسر له سبل التقدم مما جعل جنوب أفريقيا تتربع على العرش الاقتصادى والسياسى للقارة السمراء، وهو ما دفع مانديلا قبل وفاته لمطالبة ثوار مصر وتونس باتباع نهج بلاده فيما يخص المصالحة، قائلا انهم لو كانوا تفرغوا للماضي لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني، ولاشك أن مصر الآن فى أشد الاحتياج إلى المصارحة ثم المصالحة لأنه بغياب الحقيقة والاعتراف بها، تغدو المصالحة مستحيلة، لكن بلا شكّ فإن السير نحو المصالحة الحقيقية يتطلب شجاعة استثنائية، ويتطلب الكثير من التعالي عن الجراح من أجل السير بالأوطان إلى السلام والاستقرار.. فهل نملك تلك الشجاعة ؟!

 

 

 

 

المصدر: مجلة حواء - أمل مبروك
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 601 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,855,266

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز