الحياة لا تساوي..!
لماذا نبكي علي من يفارقونا بهذه الحياة..؟
سؤال جال بخاطري وأنا أستغرق في حزني الكبير بعد فراقي لشقيقي منذ أيام، ووجدتني أسرح في ملكوت الله وأبحث عن الأسباب التي تريح القلب الموجوع بألم فراق الأحباء، وقلت لنفسي هل نبكي عليهم لأنهم تركونا في حياة لاهية، لا معني لها وانتقلوا إلي الحقيقة المؤكدة، وهي الحياة الأبدية التي يعيشها الإنسان بعد الموت، تلك الحياة التي لا نعرف خبايها وأسرارها ولكن من المؤكد أنها الأفضل للنفس البشرية مها كان عملها علي الأرض، ومهما كانت هذه النفس مارقة أو فاسقة، لا تتعجبوا من كلامي هذا ولا تندهشوا من قناعتي هذه، فالحياة المزيفة علي هذه الأرض مهما كانت رغدة لا تساوي جناح بعوضة من الحياة الأبدية التي يتتوق إليها أي إنسان عاقل يفكر بالعقل والمنطق، ويحكم ضميره الإنساني قبل أن يقدم علي أي فعل أو يخطو أي خطوة بهذه الحياة..!
نعم فالعقل يقول إن الحياة بكل ما فيها من مغريات المال والجاه والسلطة والقوة لا تساوي شيئاً ولا تستحق كل هذا الصدام والصراع بين أبناء البشر، الحياة بكل ما تحمله من نعم وما تحويه من تحديات إيمانية لا ترقى إلي البكاء عليها ولا يجب علينا التمسك بها والتعلق بحبالها"الدايبة"، فمهما طالت لابد لها من نهاية ومهما ضحكت لنا الأيام سوف تأتي اللحظة التي نبكي فيها علي حالنا ونتحسر علي الوقت الضائع الذي مضي في أعمال وأفعال لا قيمة لها، وننظر علي العمر الذي تسرب من بين أيدينا دون أن ندخر منه ما يعود علينا في الحياة الحقيقة وهي الحياة بعد الموت، الحياة التي ننساها ونتجاهلها بغبائنا ونبكي علي من يسبقونا إليها.
بالله عليكم قولوا لي هل تستحق الحياة بكل ما فيها من تناحر وصراعات علي المتع الزائفة الزائلة، تستحق أن نبكي عليها أو نبكي علي من يغادرها ويتركها..؟
أي شيء بهذه الحياة يدفعنا إلي الصلاة في محرابها والتمسك بأوصالها ونحن نعاصر أفعال ما أنزل الله بها من سلطان..؟ الكراهية والأحقاد.. الضغائن والمؤامرات..العنف والخراب والدمار..عقوق الأبناء للآباء وتقطع الأرحام بين بني البشر..غياب الشفقة والحب والرحمة وتصدر القسوة والغلظة والغل في النفوس.. تفشي الفواحش والموبيقات وانتهاك الحرمات.. لم يعد القلب علي القلب رحمة، بل النفس علي النفس بالدم والتعذيب والانتقام.
هذه هي الحياة التي مازلنا نعيشها ونتصارع من أجلها فهل تستحق منا التمسك بها والبكاء عليها ولو للحظة واحدة، وهل تستحق أن نبكي ونحزن علي أحبائنا الذين فارقوها..؟ لا..لا تستحق بكل تأكيد، ولكن الشيء المؤكد أننا في هذه اللحظات نبكي ونحزن علي حالنا لأنهم غابوا عنا وتركونا نواجهها بمفردنا..؟ أعتقد أن علينا أن نسعد ونفرح لهم لأنهم سبقوني إلي الحياة الأبدية بعد أن أنعم الله عليهم بالرحيل، تلك الحياة التي تستحق أن نتكالب عليها وأن نعمل من أجلها كل ما يضمن لنا الفوز برضا المولي عز وجل.
فيارب هون علينا أيامنا واختم بالخير أعمالنا.. واجعل الدنيا في أيدينا وليست في قلوبنا..!
ساحة النقاش