أعمال إجرامية كثيرة يستغل فيها أطفال الشوارع منها السرقة والإتجار وتجارة الأعضاء وتعاطي المخدرات والاغتصاب ويبقي الإتجار بالبشر أصعب هذه الممارسات..
والأسئلة التي نطرحها في تحقيقنا كيف يتم القضاء علي هذه الظاهرة؟ وهل من الممكن إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال لكي يعيشوا حياة كريمة سوية بكرامة وعزة نفس؟ والأهم.. أن يكونوا أبناء صالحين للوطن..ويساهموا في بنائه وتقدمه؟
التقينا بنماذج منهم ليحكوا لنا حكاياتهم
هذه مأساة كل فتاة صغيرة يتم تزويجها وهي طفلة هكذا حدثتني (م.ن) فتاة ذات سبعة عشر عاما وأضافت: " تزوجت رجلاً عربياً يكبرني في العمر بعشرين عاما متزوج ثلاثة غيري ووافقت بسبب فقري واحتياج أسرتي وسافرت معه ولكنه تركني بعد أسبوع من الزواج وبعدها تقدم للزواج من آخر ولكن كان شرطه الأساسي أن أكون بكرا فقمت بإجراء عملية لترقيع غشاء البكارة وتزوجته لمدة أسبوعين فقط وتركني وسافر هو علي بلده وهذا بمقابل مادي يبلغ عشرة الآف جنيها وسأكرر هذه الزيجات بهذه الطريقة لاحتياجي الشديد للمال علي العلم أن أهلي هم الذين يبحثوا عن تلك الزيجات فوالدي عاطل ووالدتي تعمل خادمة بالبيوت ولدي من الأخوة عشرة ومعظمهم في الشارع يعملون بالتسول .
ويقول (ع.ع) أجبرني سمسار الأطفال الذي أعمل معه علي بيع كليتي وقبض هو الثمن دون أن يعطني شيئاً مقابل حمايتي وإيوائي.. وبالطبع أعاني أشد المعاناة فصحتي معتلة ونقودي قليلة بلا أهل وبلا مأوي أو سند أو حماية من المجتمع .
بلا مأوي
أما (و.م) فتاة في السادسة عشرعاما كان لها قصة أخري فقالت: "منذ صغري وأنا في الشارع لم أجد مأوي غيره وليس لي أهل فعلت كل شئ من أجل أن أحصل علي مال تسولت ووافقت علي بيع ابنتي التي انجبتها بطريقة غير شرعية مقابل مبلغ خمسة الآف جنيها لأسرة لا تنجب وتتولي رعايتها وقبلت ببيعها حتي تصبح أفضل مني فيكون لها أسرة ومأوي ولا تعاني ما عانيته.
أسباب المشكلة
بعدها انتقلنا للمتخصصين لنتعرف علي أسباب وجود ظاهرة أطفال الشوارع وكيفية التعامل معها..البداية كانت مع د. عماد مخيمر، رئيس قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة الزقازيق
والذي أشار إلي أن ظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة عالمية اقتصادية، اجتماعية سياسية، وتنتشر في جميع أنحاء العالم ولكن باختلاف النسب وسببها الفقر والبطالة واعتلال الصحة وإساءة المعاملة وانتشار الجهل (الأمية )، والتفكك الأسري وبالقطع يتعرض هؤلاء الأطفال للتحرش والاغتصاب خاصة البنات .
ويهرب الطفل من منزل مرتفع الكثافة ويخرج إلي الشارع، فيجد مكاناً بدون قيود ودون روابط أسرية فيصبح طفل شارع بلا قيم وبلا أخلاق وبلا ضمير فيلجأ للأعمال المنافية للشرع والقانون ومنها التسول والتحرش والاغتصاب والقتل والسرقة وبيع الأعضاء وبيع المخدرات وإدمانها والشذوذ ويتم استغلالهم من قبل جهات معينة بشتي الطرق وكان آخرها الاستغلال السياسي في المظاهرات واستخدامهم كدروع بشرية وتنفيذ الأعمال الإجرامية مقابل بضعة جنيهات هم في أشد الحاجة اليها .
ويضيف د.مخيمر بأن كل طفل شارع مشروع لمجرم وكثير من الفتيات يتعرضن لزواج المتعة مقابل الحصول علي المال، يندرج تحت بند بيع الشرف وهن بالطبع قنبلة موقوتة توشك علي الانفجار وتحل بإيجابية فنقوم بتجميعهم ورعايتهم وإعادة تأهيلهم نفسيا حتي يبتعدوا عن الشارع، ويكون الاندماج تدريجياً رغم صعوبته لكنه ليس مستحيلاً ليتولوا إلي أشخاص إيجابيون لديهم ضمير وأخلاق وقدرة علي البناء لا الهدم والتخريب .
سبيل النجاة
عادل جاد الكريم، أخصائي اجتماعي بإحدى الجمعيات، تحدث عن كيفية إلحاق أطفال الشارع بالجمعية من خلال الوحدات المتنقلة التي تقوم بها الجمعية وتبحث عنهم في أماكن انتشارهم، منها السيدة زينب (تجمع البنات) والجيزة وعلي كورنيش النيل وشبرا الخيمة وشارع الهرم، وبعد استقبالهم نبحث حالة كل طفلة ونقوم بعمل ما يسمي بتقدير ذاتها والاضطرابات النفسية، فنتعرف علي سبب نزولها للشارع مع محاولة معالجة الأسباب ولابد قبل ذلك أن تتصالح مع ذاتها حتي تتصالح مع المجتمع وتتقبل الآخر .
ونحاول ترغيبهم في الإقامة في الجمعية من خلال ممارسة للأنشطة المختلفة وإذا كان الطفل يتيماً أو مجهولا النسب، أما إذا كان له أهل فنقوم بعمل أكثر من مقابلة معهم حتي نتعرف علي أسباب تركهم لابنهم بالشارع وإذا رفض الطفل الرجوع لهم، وكذلك أهله، نشجعه علي الإقامة في الجمعية ونقدم له في المدارس، وإذا كان رافضاً للتعليم نساعده علي تعلم حرفة مع توطيد علاقته بعائلته فيتم مقابلته بهم شهريا طبقا للوقت التي تحدده الجمعية في محاولة منا لإعادة تأهيله .
وعن طريقة التعامل مع طفل الشارع عند إدراجه في المجتمع تشير أ. شيماء عبد القادر، أخصائية نفسية بإحدى جمعيات التي تواجه تلك الظاهرة إلي أن البنت أكثر عنفا في التعامل من الولد لأنها تكون قد تعرضت لأبشع الجرائم فلا يفرق معها أي شئ فتتعامل بإجرام وحدة، فيكون الحوار معها صعباً ولكن مع الوقت ومحاولة استعادة ثقتها بنفسها وتصالحها مع ذاتها، وكشف الغبار عن نظرتها المتشائمة للمستقبل والمجتمع خلال تصالحها مع نفسها، فنحاول تعليمها مهنة تتكسب منها كي تنفق علي نفسها وتكون أسرة وتعيش حياة كريمة بذلك تتفاعل معنا وتقبل الحوار لتصبح عضو نافع في المجتمع وتبعد عن الشارع .
أطفال في خطر
وعن نظرة المجتمع لأطفال الشوارع تقول: د.عزة صيام، رئيس قسم علم الاجتماع، بكلية الآداب جامعة بنها، تؤكد أنها نظرة استياء فهم أطفال اعتادوا علي حياة الشارع يعيشون في ضياع وتشرد وفي خطر مستمر
وتناشد د.عزة منظمات المجتمع المدني والمجلس القومي للطفولة والأمومة ومنظمات حقوق الإنسان إنقاذ أطفال الشوارع بعمل خطة قومية مع محاولة إيجاد صيغة اجتماعية نفسية للقضاء مشكلاتهم الفرعية بجانب المشكلة الأساسية وهي تواجدهم في الشارع .
توعوية لاعقابية
وتتفق د. ناهد نصر الدين عزت، خبير التنمية البشرية مع الآراء السابقة وتضيف أنه لابد من وضع هؤلاء الأطفال في دور رعاية مؤسسات إنتاجية توعوية وليست عقابية، تكون بها أمهات بديلة ترعي عدداً قليلاً من الأطفال وتقدم الرعاية البديلة عن الأسرة الحقيقية في ظل مناخ أسري حقيقي ولا يصح أن تكون الجمعية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب مثل باقي الجمعيات التي هدفها جمع التبرعات فتصبح سجنا مليئاً بالأطفال مع اختلاف سلوكياتهم، فيكتسب الطفل سلوكيات شاذة من أطفال آخرين، وقد يكون ضمنهم أطفال مرضي وهذا سبب تواجدهم في الشارع، وهنا لابد من علاجهم أولاً، ثم تعليمهم ومحو أميتهم ثم معرفة ميولهم وانتماءاتهم كي يتم توظيفها والاستفادة منها فيتم تأهيلها بصورة إيجابية.
صرف الإعانات
وتؤكد د. ناهد علي أن من الحلول المقترحة للقضاء علي ظاهرة أطفال الشوارع لابد من ضرورة تفعيل قوانين الأحداث وتجميع هؤلاء وتصنيفهم حسب الفئة العمرية والميول والجنس والهوايات، وتسليم من له أسرة وكتابة إقرارات علي ولي الأمر بعدم نزول ابنه إلي الشارع مرة ثانية، بجانب عمل دراسة عن حالة كل أسرة وصرف إعانات لها وعمل مشاريع صغيرة بدلا من أن تنحرف وتستخدم في أعمال ضد المجتمع يدفع المجتمع كله تكلفتها.
.
ساحة النقاش