كتبت :فاطمة الحسيني  

أرى الموت يومياً أثناء عملى فى المحاجر، فعلى الرغم من أننى لم أبلغ 14 عاماً إلا أننى أعمل فى تفجير الجبال بالديناميت منذ 4 سنوات، وما يؤلمنى هو شعورى بأن طفولتى قد سلبت منى، فمن في سني توفر لهم أسرهم الرعاية والتعليم .

 أما نحن فبعيدون عن الأنظار ونقع فى فخ سوء المعاملة والعنف الجسدى واللفظى من جانب أصحاب العمل، فما الذنب الذي اقترفته لأعامل  بدون آدمية لمدة 10ساعات متواصلة.. ويبدو أن هذا الطفل ليس الوحيد الذى يعانى جراء عمله فى سن صغيرة فغيره الكثيرون.

حواء قررت فتح هذا الملف ومعرفة أسباب هذه الظاهرة، والمساعدة فى القضاء عليها..

 

ولتكن البداية من المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي تمنع عمالة الأطفال إلا بعد بلوغهم السن القانونى ولكن الواقع يرصد العديد من المشكلات التي يتعرض لها الطفل العامل..

وجدنا الطفل أحمد الذى يعمل فى ورشة ميكانيكا ويقول عمرى 12 سنة، أنا لست طفلا فأنا أساعد عائلتى فى مصروف البيت هكذا قال لى أبى عندما أتى بى إلى هذه الورشة منذ عامين، وقال لى: إن المدرسة لم تفيدك كما تتعلم حرفة وتتقنها .

المدرسة وأكل عيش

وفى وسط إشارات المرور رأينا "يوسف" ذو العشر سنوات يتجول بالمناديل الورقية ليبيعها للمارة من السيارات، ويحمل فى يده فوطة يمسح بها السيارات وعند سؤالنا له عن عدم التحاقه بالمدرسة، أجاب مبتسماً "المدرسة مش بتأكل عيش، أنا بكسب 30 جنيها فى اليوم وأتجول بحرية دون أوامر مدرسين وعمل واجبات مدرسية " وأهلى مسرورون لأننى أساعدهم فى مصاريف البيت.

 أعمل فى ورشة نجارة فى العام الدراسي بعد انتهاء اليوم المدرسي وأثناء العطلة الصيفية.. هذه هي كلمات"مروان" ذو 15 عاماً والذي أضاف: أعمل من الصباح الباكر وحتى الرابعة عصرا لكى أدخر مصروفاتى الدراسية، فهذا هو شرط عائلتى أن أتعلم وأصرف على نفسى، فنحن خمسة أخوه ولا يوجد عائد مادى يكفى جميع احتياجاتنا، ولم أتذمر يوماً من العمل لأنه وفر لى احتياجاتى فقد أصبحت الأن فى الصف الثالث الإعدادى وبتفوق.

هذه هي رؤي الأطفال ولكن ماذا عن روي ذويهم ؟

 

بلا معيل

وجدنا "أم أحمد" 45 سنة أم لأربع بنات وولدين والتي أكدت لنا أن الفقر وضيق الرزق أدي إلى إجبار ولدها "13" سنة على العمل فى ورشة وتركه للمدرسة، فهو يحصل على أجر أسبوعى قدره150 جنيها، وعندما يصبح ملماً بتفاصيل عمله سيصبح "اسطي"،  الأمر الذي يسهل عليهم بعض الصعوبات المالية، فلا معيل لهم بعد وفاة الأب سوى هذا لابن.

ومن جهة أخرى تجد "فوزية أبو الحسن" أنها جعلت ابنها يعمل بعد أن كبر وأصبح سنه مناسباً.. أى قادراً على تحمل مهام وقسوة العمل، وأنه  لولا مرض الأب لما اضطرت على الاعتماد على ابنها وإخراجه من المدرسة  وتشغيله  بالورش والمصانع، لافتة إلى عدم جدوى الدراسة بالنسبة لأبنائها مادام الوضع الاقتصادي لهم سيئا .

معاندة الفقر

يبدو أن الدولة غائبة عن رعاية الأطفال، وأن الفقر مازال لم يجد من يعانده.. هكذا أكد "عبد الرحمن خير"، القيادى العمالى عندما تحدث عن مشاكل عمالة الأطفال فى مصر خاصة، في الأعمال الخطرة عليهم، حيث أشار إلي أن قانون العمل الجديد اعتبر طفلاً كل من بلغ الرابعة عشر سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ سبعة عشر سنة كاملة، ويلتزم صاحب العمل بمنح الأطفال العاملين الذين دون 16 عاما بطاقة تثبت أنه يعمل لديه وتلصق عليها صورة الطفل وتعتمد من مكتب القوي العاملة، وحظر تشغيل الطفل أكثر من ست ساعات يوميا، إلا أننا مازالنا نرى أعداداً كبيرة من الأطفال عرضة للاستغلال، ويتعرضون لأسوأ أشكال عمل الأطفال وكأنما تمارس عليهم العبودية .

وأضاف "خير" أن عمالة الأطفال بالمحاجر من أسوأ أشكال عمل الأطفال نتيجة المخاطر التى يتعرضون لها من الانحناء لفترة طويلة والبرودة أو الحرارة الشديدة، فضلاً عن التعرض للمواد الخطرة من المواد الكيماوية والمبيدات والأصباغ، وعدم توافر دورة مياه والتعامل مع معدات خطرة، وأطفال المحاجر دائما ما تكون حياتهم مهددة بسبب طبيعة عملهم وسط الجبال، فهم يتعرضون لسحابات الغبار طوال فترة العمل مما قد يؤدى إلى أمراض العيون أو فقد البصر والأمراض الجلدية وأحياناً السرطان، لذا لابد من تأسيس نقابة مهنية تدافع عن الطفل العامل، ويجب على وزارة القوى العاملة إلزام أجهزة الرقابة والتفتيش بالقيام بدورها للقبض على من يستغل الأطفال دون تطبيق نصوص قانون العمل.

مراكز تأهيل

وعن التفسير الاجتماعى للظاهرة يقول: "د.رشاد عبد اللطيف" أستاذ تنظيم المجتمع بجامعة حلوان أن العالم بأجمعه يحتفل باليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال يوم 12 يونيو من كل عام، ولكننا وجدنا أن عمالة الأطفال تعتبر ضرورة حتمية للأسر النامية و مازالنا نقف مكتوفى الأيدى أمامها، وتعتبر أسباب هذه الظاهرة والتى تؤثر بنسبة 100% على المجتمع بأثره هى تفكك الأسر المصرية، وزيادة نسبة الأسر المعيلة، وتدني المستوى الثقافي للأسرة، حيث لا تدرك بعض الأسر فائدة التعليم،ويعتبر الفقر هو السبب الرئيسي لعمل الأطفال الذين يرغبون في مساعدة أسرهم،

وللخروج من هذه الأزمة ينبغى على الدولة أن تعمل مراكز تأهيل بأجر مناسب  للطفل الذى يعمل تحت سن العمل وهذا يساعده على تعلم حرفه بالإضافة إلى معرفة القراءة والكتابة، ورفع الحد الأدنى لأجور الأسر الفقيرة، وعمل مشروعات صغيرة ومناسبة للأسر المعيلة، وإقناع الأسر بأن تعليم الطفل هو استثمار مستقبلى، وضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية والاتفاقيات التى تحدد سن عمل الأطفال، التزام الدولة بتطبيق نصوص الدستور الجديد الذى اعتبر عمالة الأطفال جريمة، وحظر تشغيل الطفل قبل تجاوزه سن التعليم الأساسية، كما حظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر، وتلتزم الدولة بحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة.

أين التعليم الفنى

وأضافت د."سوسن فايد" أستاذ علم النفس و الاجتماع أن مشكلة عمالة الأطفال ترجع لمناخ عام  يتمثل فى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى أن خروج الطفل إلى بيئة العمل وانخراطه في الأعمال اليدوية واحتكاكه بأطفال الشوارع وغيرهم لعدد ساعات طويلة في اليوم بعيدًا عن أعين والديه كلها عوامل تساعد على تشكل بيئة إجرامية، كما أن استشعار الأهل خاصة محدودى الدخل بعدم أهمية التعليم ورؤيتهم  للكثير من المتعلمين العاطلين يدفعهم لتشغيل أطفالهم منذ الصغر.

وأكدت "فايد" على ضرورة تصليح الفكر وإعطاء الثقة للتعليم الفنى والصناعى خاصة للطبقات غير القادرة على التعليم العالى لكى يتمكن الطفل من دراسة ما يحبه من حرفه تؤهله بشكل قانونى الى العمل ، إضافة الى أهمية تغيير نظرة المجتمع وعدم احتقار من يعملون فى الأعمال اليدوية .

 

 

 

دراسة

1.5مليون طفل عامل فى مصر

أكد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن إجمالى عدد الأطفال العاملين فى مصر يصل إلى مليون و594 ألف طفل فى الفئة العمرية بين 5 و17 عاماً، مشيراً إلى أن 87.4٪ من الأطفال العاملين يمنحون أجورهم لأولياء أمورهم،

وأضاف أن نسبة الإناث تصل إلى 21٪ من إجمالى عمالة الأطفال مقابل 79٪ للذكور، لافتاً إلى تركز عمالة الأطفال فى ريف الوجه القبلى بنسبة 42.7٪ بينما تصل نسبة عمالة الأطفال فى ريف الوجه البحرى إلى 40.8٪.

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 703 مشاهدة
نشرت فى 27 مايو 2014 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,459,586

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز