فى زمن الأبيض والأسود فى سبعينيات القرن الماضى لا أحد ممن عاصر هذه الحقبة ينسى الممثلة القديرة محسنة توفيق وهى تؤدى على الشاشة الصغيرة دور أسماء بنت أبى بكر أو ذات النطاقين.. قدرتها العالية فى الآداء والتحامها إنسانيا وذهنيا وروحيا بهذه الشخصية المباركة جعل هذا العمل ملتصقاً بالأذهان حتى الآن، ومنذ سنوات قليلة تابعنا بشغف المسلسل الإيرانى الرائع "يوسف الصديق" الذى عرضته إحدى الفضائيات وتركنا كل أنواع الدراما التى كانت تقدم فى هذا الحين وذهبنا إلى قصة النبى يوسف عليه السلام، فأين اختفت الأعمال الدينية وتوارات عن شاشاتنا؟!
قدمت المسلسلات الدينية دوما بشكل درامى شديد الجمال والمصداقية، وارتبطنا بمن أدى "يوسف" ومن أدت "زليخة" امرأة العزيز، لدرجة أن مع انتهاء المسلسل شعرنا بأننا نودع عزيزا لدينا، والحقيقة أن الكثير من أبناء الجيل الجديد ارتبط بقصة سيدنا يوسف وهو يتابعه درامياً مع أسرته، وعندما قررت عليه مدرسيا لم يباغت بها بل كان يعرفه ويعرفها تمام المعرفة، ولعل هذا أحد الأهداف الرائعة للدراما الدينية أن تفسر ما صعب تفسيره حتى على من اعتاد قراءة القرآن ولم يلم بالكثير وهنا دور الدراما الأعظم.
محمد رسول الله
ونحن كنا رواد المنطقة العربية فى هذا الشأن الدرامى طوال الفترة الماضية التى شهدت ازدهاراً رائعا للمسلسلات الدينية. والحقيقة هناك اسمان لمخرجين لا يمكن أن يسقطا أبدا لا سهوا ولا عمدا, الراحلان أحمد طنطاوى وأحمد توفيق وقد قدما على مدى التاريخ التليفزيونى العديد من الأعمال, ويأتى على رأسها بلا جدال المسلسل الضخم المتعدد الأجزاء "محمد رسول الله والذين معه" ومن خلال هذه الدراما التى قام عليها أساتذه متخصصون فى علم القرآن والفقه والأحاديث الشريفة قدمت قصة سيدنا موسى عليه السلام وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من الممكن أن ينسى المقدمة والخاتمة الغنائية لهذا العمل التى قدمتها السيدة ياسمين الخيام وكانت تقول دعوة إبراهيم ونبوءة موسى ترنيمة داوود وبشارة عيسى.
وأيضا المسلسل الدينى إلهام (الكعبة المشرفة) الذى كان يجمع الكل على مشاهدته فى ليالى رمضانية.. العديد من الأعمال الدينيه التي قدمت ساعدتنا كثيرا فى فهم ما عصى فهمه ومعرفة أحداث فى قصص الأنبياء وفرت على الكثيرين البحث والتنقيب، خاصة أن الدراما المتقنة الصنع والآداء تصل بسرعة كبيرة، وبدأ المسلسل الدينى يخبو وهجه شيئا فشيئا، ولم يعد على قائمة المهام الدرامية فى رمضان سنويا فيمر عام واثنان وثلاثة بلا مسلسل دينى.
بعدها تتاح فرصة مثلا للنجم نور الشريف ويقدم حياة "عمرو بن العاص"، وأيضا"عمر بن عبد العزيز"، بشكل يليق بموهبة كبيرة مثل موهبة نور، والمسلسلان مهمان للغاية فعلا، وأيضا النجم محمود ياسين قدم"أبو حنيفة النعمان" وممدوح عبد العليم قدم حياة"ذى النون"، و محمد رياض وهو متميز فى الأدوار الدينية بشكل كبير قدم "ابن حزم"، وهذا على حقب تليفزيونية متباعدة بعد أن فقدت إدارة التليفزيون المصرى حماسها للأعمال الدينية، رغم أهميتها لكل الأجيال، فالصغار يعرفون والكبار تأتى لهم تفاسير الحياة النبوية الشريفة على طبق من ذهب اسمه الدراما أو حياة الصحابة كرم الله وجوههم جميعا، ودارت الأسباب الواهية لعدم تقديم أعمال دينية حول صعوبة النطق بالفصحى، وصعوبة بيع المسلسلات بعد أن تغيرت الدنيا وأصبحت اليد العليا للفضائيات، وكلها بالفعل أسبابا واهية لأن النجوم أغلبهم يعشق الآداء بالفصحى، وهم أصحاب وزن ثقيل دراميا وأساتذة فى هذا المجال، والفضائيات التى يتعللون بها هى نفسها أحيانا تنتج دراما دينية.
فقد تابعنا جميعا على شاشة فضائية مسلسل(خالد بن الوليد) الذى كان بداية ذيوع نجومية النجم السورى باسم ياخور، الذى قام بدور القائد خالد، وكان رائعا وملائما جدا للدور، ودارت الهمهمات حول أن باسم ليس مسلما فكيف يؤدى خالد؟ ولم يرح باسم أحداً إن كان مسلما أو لا حتى الآن، لكن الحقيقة أن ما يهمنا قدرته الرائعة على آداء دور سيف الله المسلول، وأيضا قدمت سوريا مسلسل (عمر) عن حياة الصحابى الجليل عمر بن الخطاب، وهناك لا مشكلة تعيق تقديم حياة الصحابة فقرار الأزهر بمنع ظهور الأنبياء والصحابة قراراً يخصنا وحدنا، ولا نريد الخوض فى هذا الأمر، ولنعلم فقط أن فيلم"نوح" الذى منع عرضه مؤخرا كثيرون شاهدوه على الإنترنت.
قصص النساء فى القرآن
ما علينا.. أكثر من عمل دينى قدمته الفضائيات العربية كان رائعا ومؤثراً ويحمل بين جنباته الكثير من الاستفادة الدينية لمن لم يع بعض المواقف الدينية التى ذكرت فى القرآن المجيد أو حتى عن حياة الأطهار والأشراف من آل البيت، مثل مسلسل"الحسن والحسين" أيضا، أما هنا بعد هذه الريادة فى الأعمال الدينية سحب البساط من تحت الأقدام تماما.. واختفى العمل الدينى من فوق الشاشات المصرية وبقى فقط المسلسل الرائع" قصص النساء فى القرآن" للنجم يحيى الفخرانى ومجموعة من النجوم، مسلسل كارتونى وليس دراما مجسدة، ومع ذلك طوال ثلاثة أو أربعة مواسم ويجوز أكثر يلقى نسبة مشاهدة عالية، فالناس متشوقة لرؤية الأعمال الدينية حتى ولو تجسيد كارتونى.
وهذا لم يشفع لدى مسئولى الدراما فى مصر ليشمروا سواعدهم ويعيدوا للعمل الدينى مكانته وتميزه على الشاشات المصرية, مازالوا مصرين على اختفائه وهذا يثير الحسرة قبل الدهشة، لا تظهروا الأنبياء ولا الصحابة ولا آل البيت لكن قدموا أعمالاً دينية.. مهم أن تقدموا أعمالاً دينية حتى ولو بتحايلات برعتم دائما فيها، كأن يكون ضوء مكان المقام النبوى الشريف، أو غلاله تعنى أن من ورائها رسولا كريما.
ماذا حدث هل فض الجراب من تحايلاتكم الدرامية؟ التى لم يعترض عليها أحد من قبل أم أن العمل الدينى لم يعد فى الحسان أصلا ؟
لو الإجابة الأخيرة أقرب نقول:"اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفوا عنهم".
ساحة النقاش