مقتنعة أنا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس, والكلمة هى زاد روحى حرفة وقولا.. شعرت وأنا أتابع بدأب لم أعهده فى نفسى منذ مدة طويلة مسلسل سرايا عابدين بأننى لابد أن أقول الكثير من الكلمات التى ترفض هذه الدراما التى ابتعدت تماما عن السرد التاريخى الأمين لفترة الخديوى إسماعيل فى هذا القصر.
هذا القصر أعرفه تماما ودخلته أكثر من مرة نظرا لأنى أقطن فى محيط قريب منه، وكلما شاهدت حلقة تتجدد داخل المخيلة الصور التى طافت بعيونى أكثر من مرة، سواء فى المداخل أو الأجنحة الملكية وجناح الأميرات والقاعات الفخيمة التى تبعث على الخوف من مجرد الخطو إليها، وأقول فى نفسى لا يمكن أن يكونوا ساكنى هذا القصر من العائلة العلوية نسبة إلى محمد على بهذا الخواء الإنسانى والفراغ الذهني والالتفات الدائم للشهوات.
إنصاف غائب
فالخديوى إسماعيل أنصفه التاريخ دائما وذكر له من محاسن إنجازاته الكثير وما فعله الحقيقة أتصور أنه لم يكن سيسمح له بكل هذا الوقت لقضائه فى اللهو مع النساء سواء الزوجات أو العشيقات أو الجوارى فلو فعل ما كان بقيت له دقيقة فراغ لإدارة شئون البلاد وتحقيق حلمه فى أن تكون مصر تضاهى أوروبا شكلا.. وفنا فقد بنى الأوبرا، وعلما، وأرسل البعثات العلمية للخارج وكان أهم من تولى شئون مصر كما ذكر له أكثر من مرة الباب العالى.
وقد أمطرت الكاتبة الكويتية هبة مشارى حمادة، مسلسل"سرايا عابدين" بالكثير من المشاهد التى أعتقد إن لم تكن دخيلة على حياة الخديو فهى ملفقة مثل عشقه للخمر لدرجة أنه يفقد وعيه مع الجارية شمس وينامان فى حقل فلاحين، وعندما يستيقظان يستوليان على ملابس الفلاحين بعد أن سرق الأطفال ملابسهما ويستوليان على
فطار الفلاحين البيض بالسمن ويظلان يأكلان ويلهوان! هل هذا ذكر فى المراجع التاريخية التى رصدت فترة الخديوى إسماعيل! ولا يقول لى أحد أنه خيال مؤلفة ورؤية مخرج، فنحن لا نقدم ثلاثية محفوظ، نحن نرصد فترة هامة من التاريخ المصرى بشخصيات حقيقية، وهذا المسلسل فخم ومصروف عليه فعلا من ناحية الصورة والتكنيك، لكن الفكرة المقصود تقديمها هى غراميات الخديوى وقياس مدى حب نسائه له يعنى نظرة متلصصة على هذا التاريخ الذى بصراحة لا يهم الكثيرون قدر ما يهمنا حتى للأجيال القادمة تقديم الصورة الزاهية لهذا الخديوى الذكى الطموح الذى صنع الكثير من أجل مصر.. وللدراما ضرورياتها أعرف لكن لا يكون هذا الجانب هو الفكرة الأساسية لسرايا عابدين.
الفرق شاسع
وقد سبقنا لهذا الرفض الملك أحمد فؤاد الابن الوحيد للملك فاروق وأصدر بيانا يرفض ويشجب بشدة ما طال أحد أهم حكام مصر من عائلته الملكية ونجد أن له كل الحق.. ودفعنا هذا لنبحث وننقب عن الشخصيات الحقيقية التى قدمها هذا العمل وطالها الكثير من عدم الاهتمام بتفاصيل كبيرة لأدوارهم فى هذه الحقبة، وقد يكون الفرق شاسعاً بين الحقيقة والشخصيات الدرامية، وحقيقة الأمر أن لا توجد صور كثيرة للأميرات والوصيفات والخدم والأغوات والجوارى، فلا يمكن الاعتماد عليها.. لكن هذا لا يعنى أن نطلق لخيالنا العنان ونتوهم أن هذا كان بهذا الشكل.
والحقيقه التى لابد أن تلقى على الطاولة الآن أنه وضع فى الاعتبار أسماء بعينها للتسويق الفضائى يعنى بارونات القنوات الفضائية وطلباتهم.. فحتى لو لم تكن الوالدة باشا خوشيار بهذا الشكل نجعلها حتى تأتى يسرا كاسم كبير له وزنه فى التسويق على أية حال أمامك الصور الحقيقية والمتخيلة ولن أزيد حرفا.
ساحة النقاش