لا أعرف لماذا تصورنا أو خيل لنا أن أهل الدراما فى رمضان 2014 سيكونون مختلفين أو على أقل تقدير يمرون بمرحلة توازن نفسى وفنى بعد أن خرجنا من عنق الزجاجة بأعجوبة حقيقة خلفت وراءها الكثير من الحواديت والحكاوى التى تصلح أن يغمس فيها أهل الكلمة الدرامية سنون أقلامهم ويكتبون.. ففى كل متر من شوارع المحروسة كانت هناك قماشة تصلح لمئات الساعات الدرامية.. مررنا بالكثير من الفقد.. من التضحية.. ومن الصرخات.. فهل سيأتي زمان نبحث فيه عن أعمال تشبهنا أو تشبه واقعنا؟!
تتمثل صرخة المرأة الأكثر دويا التى سطرت فى التاريخ سطورا من نور طوال السنوات القليلة الماضية كانت بطلة الساحات والمعارك والطوابير فى الاستفتاء والانتخابات وكل منهن تحمل تاج قصة طويلة من المعاناة حتى صرن ملكات المعاناة والتعب الروحى والجسدى والوجع الوطنى.. كل منهن تخبئ فى جيوب السراويل الفضفاضة أقاصيص عشق وطن رغم سكن العشوائيات والمياه العفنة التى تهدم أجسادهن يعشقونه.
فأنا أتحدث عن هذه الفئة بالذات التى اصطفت فى الميادين شاهرة سيف "لا" فى الوجوه البشعة.. تصورنا أن الدراما ستجد فى هذه المواقف الرائعة لبنات أفكار تناسب الفترة التى تعم فيها نسمات جديدة قد نكون لم نتسمها من قبل كأجيال معاصرة.. فمن من كتاب الدراما لا يكتظ وجدانه بفكرة لامعة أمام امرأة مسنة صفعها شاب أخرق من جماعة كانوا يتصورون أنهم ملكوا الدنيا ومن عليها لجهرها بحب رجل تريده للحكم قبل أن يسقط المعبد فوق رءوسنا جميعا, أو شابة صحفية قتلت أثناء عملها دون ذنب أو فتيات كالزهور صنعن من أنفسهن جسورا لتتخطى البلد المرحلة العسيرة وكن يخاطرن ويشتركن قولا وفعلا فى حملة إزاحة الحمل الثقيل الذى جثم على صدورنا فى غفلة من الزمن.
مفاتيح درامية
أليس كل هؤلاء بحكاويهن مفاتيح لأفكار درامية تسير على نفس منوال ما كنا نعيشه وما بدأنا بالأيدى الناعمة مع الخشنة تحقيقه؟
مؤكد تصلح لتكون نبتة يبنى عليها الخيال الدرامى عمل يعيش فى الوجدان والذاكرة طويلا.. يرصد الفترة المهمة ويؤرخها بكثير من الإنصاف للمرأة التى احترمها العالم وتمنى أصحاب الياقات البيضاء فى الخارج لو كان لديهم امرأة لها هذا التصميم والروعة والوطنية والشهامة والجدعنة والقدرة على إجبار الاتجاه المعوج أن ينصلح..
أين الواقع؟
لكن الحقيقة صناع الدراما كانوا فى واد وما تعج به الساحة من أحداث ساخنة فى واد آخر بل كانوا تقريبا خارج نطاق الخدمة يجلسون فى غرفهم ويغلقون النوافذ حتى لا يسمعون ضجيج الشارع الذى يطالب بمحو الغلطة.. ويكتبون دراما لا صلة لها بما يحدث يلقون تحيات الإعجاب بالمرأة المصرية وما فعلته فى تغريداتها على تويتر أو الفيس بوك.. لكن فى الدراما لا مؤاخذة "يقلبون الشراب" هذا التعبير الشائع بمعنى أنهم يكتبون دراما أكل عليها الدهر وشرب يقدمون شخصيات قدمونها مرارا وسئمت الدراما وجودها فى دفاترها..
مثل الزوجة التى تبعد عن زوجها فتخطفه أخرى لكن هنا الزوج رئيس جمهورية فى مسلسل (السيدة الأولى) أو نساء الصعيد قاسيات القلب ولديهن حياة لا تعرفها المرأة فى الحضر مثل مسلسل (دهشة)، و(أبوهيبة فى جبل الحلال) أو زوجة متسلطة فى (صاحب السعادة) أو نساء السجن وكيف يتعاملن وأسرارهن الصغيرة التى يندى لها الجبين فى (سجن النسا، والسبع وصايا) والأخير توغل فى أمور غريبة وأظهر نماذج نسائية كان من المستحيل تقديمها فى أزهى عصور الدراما مثل الدور الذى أدته صفوة..
نماذج مشوهة
ولا أجد أبدا مبررا لتقديم قصة ابنة المطربة "ليلى غفران" التى قتلت فى مسلسل (ابن حلال)، أو المرأة المتصابية التى أتحفونا بها كثيرا من قبل دور "وفاء عامر" فى هذا العمل وهذا التشويه المقيت للمرأة فى دور أطاطا.. هل تستحق المرأة أن نبرزها كنماذج مشوهة بعد كل الذى قدمته؟ هل تستحق أن تكون لعوبا فى كل المسلسلات هذا العام المكتظة بهذه النماذج المقززة؟ لقد كان الحشو والمط والإطالة فى أقصى درجات تجليهم هذا العام فهم لم يكتفوا بالدراما المقررة والشخصيات التى مللنا منها إلى حد لا يتصوره عقل ذهبوا لتمصير الأعمال العالمية فى أكثر من عمل مثل (الصياد)، ومسلسل (شمس) للنجمة "ليلى علوى" وتحديدا هو فكرة فيلم النجمة "نستازيا كينسكى" (قيود) الذى لعبت فيه دور امرأة مهتزة نفسيا بسبب زوجها وأسرته، و(عد تنازلى)، وقد أتوا بنجم الجيل "تامر حسنى" ليجسد عملا غريبا مسلسل (فرق توقيت)..
تهميش المرأة
ناهيك عن الأدوار الهامشية للمرأة وكأن دورها أن تهدئ زوجها وتفكر فى أحواله دون أى نشاط ذهنى آخر ولا أحلام ولا طموحات ولا تحقيق للذات وهذا لا يحاكى أبدا دور المرأة الآن، وحدث هذا فى دراما (صديق العمر) ومجازا (سرايا عابدين) الممتلئ بنساء مهمتهن إرضاء الخديوى ويشفع له فقط أنه سيرة تاريخية لعصر مضى وأدوار نسائية أخرى بلا فاعلية فى (الاكسلانس) لـ"أحمد عز" ولعل النموذج الذى عثرنا عليه بعد طول تنقيب كان دور مأمور السجن الذى أدته "ماجدة زكى" فى (كيد الحموات) ففيه بعض الحداثة خاصة أنها أم ولديها ابنه تعانى داء السرقة، وأيضا مسلسل (أنا وبابا وماما)..
تكرار مستفز
وأخيرا لابد أن أذكر أن التكرار لم يكن فقط فى الأفكار بل فى النجوم الذين أدوا الأدوار فتجد أن نجمة مثل "مى سليم" لها أدوار فى كل الأعمال وكأنها الوحيدة التى بقيت على وجه الأرض وتصلح للتمثيل!! لدرجة أنها كانت تربكنا حين تظهر ونحاول أن نتذكر نحن نتابع أى عمل الآن.. و"وفاء عامر"، وما جعلنى لا أطيق رؤية هذا الكادر المائل الذى اختاره المخرج لمسلسل "هيفاء وهبى" (كلام على ورق) مما جعلنا لا نستطيع الحكم عليها لأول مرة فى التليفزيون ولا نحدد ماهية ما قدمت فنحن لسنا من هواة الجلوس "بالمشقلب" أما ما أحزننى صراحة السيدتين العظيمتين "سميحة أيوب، وكريمة مختار" فى أدوار وأعمال لا جدال غير مناسبة لتاريخهن الثمين أبدا خاصة فى هذه الدراما التى كانت كلها وبدون زعل .. خارج نطاق الخدمة.
المصدر: منال عثمان
نشرت فى 12 أغسطس 2014
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,817,763
مقالات مختارة
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش