<!--
كانت قضية ختان الأنثى – ولا تزال - محل جدال كبير فى الفقه الإسلامى، ولم يكن الخلاف الفقهى فيها مستندا إلى أدلة صحيحة عند من كانوا يرون مشروعية هذا العبث بجسم الأنثى ومواطن الحياء منها، والعضو الذى جعله الله سببا للتكاثر وموضعا لتحقيق سنته فى الخلق وهى الخلافة البشرية، وتتابع الأجيـال حتـى يظـل حمل الـرايــة مستمرا إلــى يـوم القيامة، بل إن ما ذكره الشيـخ سـيد سابـق فـى فقـه السنــة لبيان حجـم هـذا الخلاف وأسسـه قـد جــاء واضحـا حين قال إنـه لم يرد فـى ختان الأنثى حديث صحيح، ولا خبر يصح، وكل ما فى الأمر أنه عادة موروثة من تقاليد السابقين وعاداتهم، وليـس عـبـادة تستنــد إلـى دليل معتبر من كتاب أو سنـة، ولهذا كان الخلاف بين الفقهاء فيهـا خـلافـاَ ظاهـريـاً يؤدى للانتصار للأصل وهو حرمة البدن ، وتحـريم كـل عـبث بـه أو مساس بسلامته عن طريق الجرح أو الأذى بأى نوع من أنواع التعدى .
نعم ، الأصل فى بدن الإنسان ذكرا كان أو أنثى أنه محرم، فلا يجوز المساس به إلا بدليل أقوى من الدليل الذى يختص بتحريم الأصل وهو حرمة البدن، والانخفاض أو ختان الأنثى، لم يرد فيه مثل هذا الدليل القوى، بل جاء فيه آثار ضعيفه لا تصلح لإلغاء الأصل ومن ثم يظل قائما، ولا يجوز المساس بأعضاء الأنثى التناسلية، ذلك لأن المساس به سيمثل جريمة محظورة فى التشريع الإسلامى، وفى التشريع القانونى - أيضا - لأن كلا منهما ينص على حماية أبدان الناس، وفقا لما جاء فى الحديث النبوى الصحيح: "إن دماءكم وأموالهم، وإعراضكم ، وأبشاركم ، حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى بلدكم هذا، اللهم قد بلغت، اللهم فأشهد"، وهو حديث صحيح، ويعـد جـامعا فـى تحريم كـل ما يؤذى بدن الإنسان، خاصة إذا كـان أنثى وصغيرا .
وقد أصبح خفاض الأنثى، أو ما اشتهر فى التسمية العامة "ختان الأنثى" محل خطر كبير فى هذه الأيام، لأن الجرح الذى يحدثه الخافض أو المختن، أو الجراح، يسبب للأنثى أذ نفسيا كبيرا لا تحتلمه نفسيتها فى هذه السن الذى يجب أن يتوافر لها فيها كل ما يحقق طمأنينة النفس وهدوء الخاطر، فضلا عن الأذى البدنى، والألم الجسمانى الذى يخلف لها ما يشبه العاهة المستديمة، لأنه يحرمها من متعة أوجدها الله فيها، ويريد حفظها حتى توجد الرغبة عندها فى الحمل والتكاثر، وهو مقصود الله من خلق الإنسان ذكرا وأنثى، ومثل هذه التعديات تعد انتهاكا لحرمة بدن الأنثى، وهى فى المرحلة التى لا تقدر فيها على حماية نفسها، أو حفظ حقوقها . ولهذا فإن عبء هذا التعدى المحقق يقع على عاتق ولى أمرها، ويقدح فى ولايته عليها، لأن ولاية الأب أو الأقارب على البنت توجب عليهم أن يفعلوا ما فيه مصلحتها وحفظ بدنها، وهذا العمل يعد عبثا ببدنها، وانتهاكا لحرمته، كما يقع على عاتق المجتمع الذى يجب عليه أن يكون هو الظهير الأقوى لمنع الأذى عن الأطفال، وذلك بالتشريعات الحاسمة التى تمنع هذا المساس الضار بهم، كما أن الجراحة التى تصاحب عملية الختان أصبحت فى أيامنا هذه مصدرا للإصابة بأمراض لم تكن موجودة من قبل ويمكن أن تنتقل بالعدوى، وذلك مثل الفيرسويات الكبدية وغيرها من مسببات الأمراض الخطيرة التى باتت تهدد حياة الإنسان وتمثل أوبئة تحتاج إلى منع مسبباتها وليس عمل ما يؤدى إلى وجودها، وذلك كله مما يصب فى صالح تجريم الخفاض وتأثيمه، مع تحريمه شرعا، وضرورة المعاقبة عليه قانونا لمن يفعلـه مـن الأطـباء أو يوافق عليه من الأولياء والآباء
ساحة النقاش