يطلق البعض عليهم لقب أطفال الشوارع، ولكنهم في الحقيقة لا يستحقون هذا المسمى الذي يتسم بالقسوة والألم، فبداية هم أطفال ضحايا ظروف اجتماعية واقتصادية قاسية دفعت بهم إلى الشارع ليصبح هو سكنهم من ظلمة الأيام ومن غلظة قلوب ذويهم الذين كانوا سببا في لجوئهم إلى المجهول، هؤلاء الأطفال الضحايا ليسوا مسئولية الدولة وحدها سواء كانت وزارة الداخلية أو وزارة التضامن الاجتماعي، بل هم مسئولية المجتمع المدني كله بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية، فهم جميعا مسئولين أمام الله عنهم.
فكل طفل على وجه البسيطة يحلم ببيت يأويه وبحضن دافئ يضمه ويحميه من غدر الزمان، وكل مجتمع يحلم بتوفير الرعاية والحماية لأطفاله ويتمنى تنشئتهم في مناخ صحي يضمن لهم حياة آمنة كريمة بما يضمن لهم مستقبلا مشرقا وسعيدا، ولكن على أرض الواقع لا يحدث هذا لأن بعض النفوس البشرية التي نزعت الرحمة من قلوبهم وسيطرت الأنانية عليهم جعلتهم يضحون بالأبناء من أجل تحقيق أهداف رخيصة وأغراض سيئة فيلقون بأبنائهم إلى الشوارع دون رحمة أو شفقة، لتتلقفهم أيادي المجرمين والخارجين على القانون من أجل استغلالهم بأعمال غير مشروعة وتكون النتيجة في النهاية ضياع هؤلاء الأطفال وتحولهم إلى أطفال مشردين خارجين على القانون مطاردين من أجهزة الأمن.
ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور الجاد الذي تقوم به مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني في احتواء هذه المشكلة ومحاولة القضاء عليها، ولكن للأسف حتى هذه اللحظة لم تظهر نتائج هذه المحاولات ولا أدري ما هو السبب وراء ذلك؟! هل لأن من مصلحة من ينتفعون بهؤلاء الأطفال من الخارجين على القانون أن يتم إفشال هذه المحاولات خوفا على مصالحهم الشخصية والممثلة في استغلال هؤلاء الأطفال في أعمالهم الإجرامية؟!.. أم أن هناك حلقة مفقودة تجعل نتائج هذه المحاولات غير مجدية وليست بالقوة التي تسمح لها بالقضاء على تلك المشكلة.
أعلم أن علماء النفس والاجتماع قد قتلوا هذه القضية بحثا ودراسة حول أسبابها وطرق علاجها، وكان من أهم مسبباتها الفقر والجهل وعلى الرغم من وجود أفكار واقتراحات كثيرة للعلاج، إلا أن هذه الأفكار لم تنفذ على أرض الواقع حتى الآن، وبالتالي لم نتمكن من حل هذه القضية من جذورها والقضاء على تلك الظاهرة المخذية، أعتقد أنه قد آن الأوان لإخراج هذه الأفكار من الأدراج وطرحها مرة أخرى للنقاش أملا في أن يجد هؤلاء الأطفال مأوى آمنا لهم ويعيشون حياة كريمة مستقرة.
ساحة النقاش