مع شهر فبراير وعيد الحب.. يأتى الاحتفال بذكرى كوكب الشرق أم كلثوم.. سيدة الغناء العربى.. «ثومة » قيثارة الشرق التى صدحت بأجمل أغانى الحب بين المحبين والعشاق.. وحب الوطن.. والحب السامى بين المخلوق وخالقه من أغانى الشعر الصوفى كما فى «القلب يعشق كل جميل » و «مكة وفيها جبال النور.. دخلنا باب السلام غمر قلوبنا السلام » و «رابعة العدوية ».. كان رحيلها فى بداية فبراير عام 1975 حدثا هز جموع العالم العربى مع العالم كله وليس فقط جموع الشعب المصرى.. الذين خرجوا جميعا لوداع أسطورة الغناء العربى هذه السيدة التى استطاعت بقوة فنها أن تؤسر المشاعر والوجدان حتى هؤلاء الذين لا يعرفون العربية ولكنهم اهتزوا طربا لأثير صوتها الذى نقل إليهم إحساسها الصادق بالحب، فاهتزت لها مشاعر الفرنسيين الذين قالوا عنها إنها الصوت الذى اجتمع عليه حب كل الشعوب، وقد كرمت من الرئيس الفرنسى ديستان، كما كرمتها اليابان بعمل فيلم عن قصة حياتها.
كرمت أم كلثوم من كل العالم فمنحت قادة صاحبة العصمة من الملك فؤاد، ووسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الزعيم جمال عبد الناصر، كما منحت وسام الرافدين وهو أعلى وسام يمنح من العراق، وأيضا وسام الأرز من لبنان، ووسام الجمهورية من الرئيس التونسى أبو رقيبة، ووسام الاستحقاق الأول من الأردن والمغرب، استطاعت هذه السيدة المصرية بذكائها وقوة شخصيتها وموهبتها التى حباها الله بها وهى الرمز الشامخ للمرأة المصرية والعربية بمثابة هرم مصر الرابع التى انتخبت عضوا شرفيا فى جمعية «مارك توين » العالمية التى ضمت بين أعضائها الشرفيين من قادة العالم: أيزنهاور وتشرشل وروزفلت.
بزغ نجم أم كلثوم الفتاة المصرية الريفية التى تنتمى لقرية طماى الزهايرة بمحافظة الدقهلية فى نهاية عام 1898 ، وكانت فاطمة إبراهيم وهذا اسمها الحقيقى، ابنة شيخ مؤذن القرية الذى ورثت عنه عشقها للغناء، وكان منشدا للتواشيح الدينية فى احتفالات القرية، والذى اهتم بتعليمها فألحقها من البداية بكتاب القرية، وحرص على تعليمها تلاوة وحفظ القرآن مما ساعدها على إنشاد القصائد المطولة فى عمر لم يتجاوز 12 عاما، اكتشفها الشيخان أبو العلا محمد وزكريا أحمد فى إحدى الحفلات بالدقهلية، وطلبا من والدها انتقالها إلى القاهرة فحنجرتها وموهبتها كنز من كنوز الطرب المتفردة، وانتقلت إلى القاهرة فى بداية العشرينيات لتتعلم أصول الطرب والموسيقى والعزف على العود، وبعدها تعرفت على شاعر الشباب أحمد رامى فى عام 1924 بعد أن عاد من أوروبا فى حفل كانت تغنى فيه «الصب تفضحه عيونه »، فهام عشقا وحبا بها، وكان أن غنت له أكثر من 120 قصيدة من روائع هذا الحب، كما عشقها الملحن المجدد محمد القصبجى الذى تعرف إليها فى نفس العام فاهتم بها فنيا وشكل لها أول تخت موسيقى حديث خاص بها لتتخلى عن عباءتها وعقال رأسها وتغنى بالملابس العصرية، لحن لها الكثير من نجوم الطرب والألحان.. فغنت للسنباطى الملحن الشاب ذائع السيط «أراك عصى الدمع »، كما غنتها من قبل بألحان عبده الحامولى.. وتتفرد بقوة صوتها وتتربع القمة.. حققت أسطوانتها «إن كنت أسامح وأنسى » أعلى المبيعات وقتها أواخر العشرينيات، كانت أم كلثوم أول من غنت فى افتتاح الإذاعة المصرية عام 1934 وبعدها أسست أول نقابة للموسيقيين لترأسها لأكثر من عشر سنوات، كما كانت أول من غنت أيضا فى افتتاح التليفزيون العربى.
ويستمر إبداع أم كلثوم التى غنت لأهم الشعراء العرب مع الشاعر الباكستانى محمد إقبال فى »حديث الروح » مما دفع القيادة الباكستانية بتكريمها بوسام رفيع المستوى، كما غنت لبيرم التونسى وأمير الشعراء أحمد شوقى أغانيهما العاطفية وذات البعد الوطنى «وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا »، وكان ذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونكوص بريطانيا عن منح مصر الاستقلال التام.. مع رائعة
شاعر النيل حافظ إبراهيم «مصر تتحدث عن نفسها »، وغنت للجيش أثناء حرب فلسطين والذى كان من بين ضباطه جمال عبد الناصر وأنور السادات، ولهذا كان لها دائما مكانتها التى لم يستطع أحد أن يزحزحها عنها، فمنحت رئاسة اللجنة التى أشرفت على اختيار السلام الوطنى للجمهورية، واستمرت جهود أم كلثوم من أجل وطنها لتقوم بمبادرة الغناء من أجل المجهود الحربى مخصصة كل حفلاتها حول العالم من أجل الوطن فلا أحد ينسى «والله زمان يا سلاحى » الذى أصبح نشيدا قوميا للشاعر والفنان صلاح جاهين.. من ألحان كمال الطويل مع ما غنت لسيد درويش والسنباطى وعبد الوهاب وبليغ حمدى وغيرهم.. لتظل خالدة فى الوجدان وما زالت تصدح بروائع الكلمات والنغم الذى يثرى حياتنا بكل أنواع الحب وإعلاء قيمة الوطن.
ساحة النقاش