لا شك أن عاطفة الأبوة والأمومة من أسمى العواطف الإنسانية التى تنعكس على سلوك الإنسان فى صغره وجميع مراحله العمرية، وفقدانهما أو فقدان أحدهما قد يخلف آثارا سلبية لدى الطفل تستمر معه حتى الكبر، فغياب أحد الوالدين لطلاق أو وفاة أو سفر قد يجعل الأبناء عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، فكيف يمكن تجنب أطفالنا تبعات هذا، وما الأساليب التربوية التى يمكن اتباعها مع الأطفال الذين قد يتغيب عنهم والديهما أو أحدهما؟
«حواء » طرحت هذه المشكلة باحثة لها عن حلول.. فكانت جولتنا التالية.
البداية مع تجربة سهر محمد، موظفة بإحدى الهيئات الحكومية التىانفصلت عن زوجها بعد عام من زواجهما أنجبت خلالهطفلة صغيرة تولت تربيتها بمفردها بينما رفض أبوها الإنفاق عليها، تقول: رغم أننى لم أدخر جهدا فى تعويض غياب والدها إلاأن رحيله خلف آثارا نفسية لدى ابنتى, ففي يوم من الأيام وأثناء تواجدنا بأحد المطاعم رفضت تناول الطعام وظلت تنظر إلى طفلين يجلسان بجوار والديهما فصرخت قائلة لماذا لايأتي أبي كي يراني؟! ولماذا لايفعل معي مثل هذا الأب؟لم أستطع وقتها الرد عليها من المفاجأة,وبعدها أصيبت ابنتي بآلام شديدة في قدميها وصداع مستمر وتردت حالتها الصحية فعرضتها على أكثر من طبيب فنصحوني بعرضها على طبيب نفسي الذى أخبرني بإصابتها بحالة نفسية نتيجة غياب وإهمال والدها.
وتحكي سعاد أمجد، أخصائية اجتماعية بإحدى المدارس الخاصة معاناة ابنتها جراء تغيب والدها بسبب عمله بإحدى الدول العربية فتقول: بعد ولادة ابنتي بعامين سافر زوجىللعمل فى السعودية واقتصرت إجازاته على عدة أسابيع كل عامين ما حملنى مسئولية تربية ابنتي حتى أصبحت بالصف الثاني الثانوي، أعترف أن أباها يجعلنا نعيش حياة مرفهة لكن غياب الأب جعل ابنتى تبحث عن عاطفة الأبوة المفقودة, فأصبحت لاتعجب بمن فى مثل عمرها بل يعجبها رجال ممن هم فى مثل عمر والدها ،و عند ملاحظتى ذلك لجأت إلى طبيب نفسي الذي أخبرني أنها تحاول تعويض فقد الأب في حياتها وأنه ينبغي على أبيها أن يوليها عناية أكبر.
العلاج النفسي المبكر
بعد التعرف على معاناة الآباء من غياب الأب بسبب الطلاق أو السفر كيف يمكن تدارك الآثار السلبية التى يخلفها هذا التغيب لدى الأبناء؟ يقولد. عمرو نبيه، أخصائي الطب النفسي للأطفال: يؤثر غياب أحد الأبوين على الابن وفقا لعمره ، حيث يكون التأثير كبيرا لدى من هم دون الخامسة من العمر فتظهر عليهم أعراض الانطواء والاكتئاب وتغير المزاج وفقدان الشهية والأمراض النفسية العضوية التي تتمثل في آلام الجسد والرأس دون سبب مرضي واضح بالإضافة إلى معاناتهم الكوابيس ، أما الفئة العمرية من سن6 : 12 عامافيؤثر غياب أحد الوالدين في علاقاتهم بالآخرين، حيث يبدأ الطفل بالسؤال عن سبب انفصال والديه أو غياب والده ، ولماذا تزوجت أمه من رجل آخر وتركت أبيه، ما يشعره بتعرضه للظلم المجتمعى فيترجم ذلك إلى سلوكيات عدوانية كضرب الأطفال الآخرين وسرقتهم وإيذائهم ، بينما يظهر تأثير غياب أحد الوالدين لدى الفئة العمرية من 12-18 سنة فى لجوء المراهق إلى تعويض ذلك من خلال علاقاته العاطفية أو الأصدقاء وعادة مايسهل التأثير عليه وخداعه لأنه يكون شخصية هشة وضعيفة.
وينصح د. عمرو الطرف المكلف برعاية الطفل باستشارة طبيب نفسي لتدارك المشكلات النفسية قبل وقوعها من خلال الاستعاضة عن الطرف الذي اختفى من حياة الطفل بأحد الأقارب، فإذا كان المتغيب الأب فعلى الأم أن تعوض ذلك بتوطيد علاقة الابن بخاله أو جده، وإذا كان المتغيب هو الأم فعلى الأب تعويض ذلك بالخالة أوالجدة، ويحذر الأبوين المنفصلين من حرمان الطفل من الطرف غير الحاضن مهما بلغت المشكلات بينهما حفاظا على نفسية وسلامة الطفل.
غياب الوالدين
تقول د. سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع: بعد انفصال الوالدين يرفض الأب الإنفاق على أبنائه ما يدفع الزوجة إلى العمل لتوفير متطلباتهم فيشعر الابن بغيابهما معا ما ينذر بخطورة انخراطة فى السلوكيات الخاطئة ويسهل استقطابه من قبل أصدقاء السوء فينشأ مفتقدا الحب والحنان والدفء الأسري ما يجعله يلجأ إلى الأصدقاء والمعارف لسد غياب والديه.
سفر الأب
أما د. أحمد البهي، أستاذ التربية وعميد كلية التربية بجامعة المنصورة فيحذر الوالد الذى يتغيب عن أبنائه للعمل بالخارج قائلا: إذا فقدت أولادك فلن تعوضك عنهم أموال الدنيا ، وأنت لن تفيدهم بهذا المال لأنك تتحول بالنسبة لهم إلى بنك للنقود ،وسيستغنون عنك في حياتهم ولن تستطيع السيطرة عليهم وتوجيههم وأنت بعيد عنهم، فإما أن تصطحب زوجتك وأولادك في سفرك ليقيموا معك،وإما أن تأتي أنت كي تعيش معهم في بلدك، لا تترك زوجتك وأولادك فتفقد أسرتك من أجل المال،أما من يسعى لحرمان الطرف الآخر من أطفاله من أجل معاقبته بعد الإنفصال فأؤكد له أن المتضرر الأول هو الطفل نفسه وليس الزوج أو الزوجة اللذين انفصلا.
القشرة العاطفية
ترى د. زهراء رفعت، مستشار أسري وتربوي أن تكوين القشرة العاطفية لدى الطفل حتى 8سنوات مهم جدا فإذا ماغاب أحد الوالدين بسبب الوفاة مثلا فإن الطرف الآخر يبحث عن شريكآخر فيتأثر الأبناء بهذا الاختيار سواء كان ناجحا أو فاشلا، وتقول: على الزوجين اللذين انفصلا عن أبناء أن يدركا أن الانفصال لايعني قطع العلاقة تماما، بلعلى الطرف الحاضن أن يسمح للأبناء بالذهاب إلى الطرف الآخر بل والإقامة معه حتى ينشأوا أسوياء نفسيا،أما إذا تخلى أحد الطرفين عن رعاية الطفل فعلي الآخر ألا يشعر الطفل بذلك لتجنب إصابته بأمراض نفسية بل عليه أن يشغل الطفل عن التفكير في هذا الأمر من خلال ممارسة رياضة جيدة أو تنمية موهبته.
ساحة النقاش