مارس شهر الربيع .. شهر جمال الطبيعة ودفئها وعطائها.. شهر الأمومة واحتفال العالم بالمرأة وأعيادها..المرأة هذا المخلوق الذى يثرى الحياة بما حباها الله من قدرات خاصة جمع فيها بين الرقة والحب والحنان والقوة  بكل معانيها من أجل استمرارالحياة..وخلق الله حواء من ضلع آدم القريب من قلبه لتكون له الحبيبة وشريكة الحياة..ويكون لها المحب والسند والاحتواء,فلم بستطع آدم الحياة وحيدا بدونها رغم جمال الجنة من حوله فمنذ بدء الخليقة لا غنى لكل منهما عن الآخر لتكتمل الإنسانية وتعمر الدنيا..فالمرأة سر الحياة, قالوا عنها:هى التى تعلمنا كيف نحب ونحن نكره, وكيف نضحك ونحن نبكى, وكيف نصبر ونحن نتعذب..المرأة كنز لاينضب بمعنى الحياة..قال عنها نزار قبانى: ماذا يكون العمر لو لم توجدى؟ أنا لم أحبك كشخص فقط.. أحببتك كوطن لا أريد الانتماء لغيره..وكان نزار قبانى شاعر الرومانسية والمرأة وحب الوطن والذى نحتفل أيضا بذكرى ميلاده فى هذا الشهر, ولد عام 1923, وعاش عمره الذى امتد 75 عاما مهموما بقضايا المرأة والوطنوتحرير المرأة وإعادة الاعتبار إليها كإنسان وتصحيح علاقة الرجل غير الحضارية معها..فقد أدرك هذا الخلل الخطير مع انتحار شقيقته الكبرى اعتراضا على زواجها من رجل لاتحبه..صدمة رحيلها بهذه الطريقة المحزنة ما دفعه لمحاربة كل التقاليد  السلبية التى قهرتها..فتفجر شعره بالغضب الثائر ضد كل القيود.. قيود المرأة, وقيود الوطن, وتساءل متمردا على مجتمعه العربى كيف يتقدم وطن والمرأة فيه صفر من الأصفار لا يسمح لها سوى دور واحد من الأدوار فى الحياة قاصرا على دورها فى الإنجاب.. فأخذ على عاتقه أن يحرر الوطن من مايشوبه ويؤخره, ودعا لإنصاف حواء وأن تشارك بدورها فى كل مجالات الحياة بما فيها الإبداع والثقافة..وقال عنها كل الحضارات أنت يابلقيس والأنثى حضارة..نعم فكل الحضارات العظيمة قامت وامتدت بمشاركة الرجل والمرأة معا..قوة واحدة, فكانت الحضارة المصرية الفرعونية تؤمن بقيمة المرأة..فأصبحت ملكة على عرشها وليست فقط شريكة فى الحكم..كانت كاهنة وقاضية عالمة الرياضيات وجراحة مثل "هيبيتيا" وكان لها قداستها كزوجة وأم,وقامت الحضارة الإسلامية وامتدت قوتها إلى كل أنحاء الدنيا لأنها قامت على أسس المساواة والعدل بين كل مواطنيها المرأة والرجل, ولم تضعف وتنحسر قوتها إلا عندما دخلت العقول فى عصور من الظلام بعيدا عن صحيح الدين لتسلب المرأة حقوقها التى أقرها الله حين قال:"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر"..وقد كرم المولى المرأة وأعلى من شأنها وجعلها هى والرجال سواء لافرق بين ذكر وأنثى إلا بالتقوى والعمل الصالح..وأوصى الأنبياء والرسلعلى إعلاء شأنها والتأكيد على كل حقوقها..ولهذا قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:"أوصيكم بالنساء خيرا فهن شقائق الرجال", وقال:"رفقا بالقوارير",وأوصى بكل حقوق المرأة وأولها الحق فى الحياة والحق فى الزواج بدون إكراه وإلا أصبح باطلا.. وحقها فى العلم والعمل والميراث والذمة المالية الخالصة لها..هكذا أعطى الإسلام حقوقا لم تنلها فى أكثر المجتمعات تقدما,ولكن للأسف سلبت حقوقها لتناضل المرأة من جديد من أجل استعادتها بمساندة كل الرجال الشرفاء الذين يؤمنون أن الحياة لاتستقيم إلا بتحرير المرأة من الظلم والجهل وإعادة الاعتبار إليها..فانطلقت الدعوة كما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق, وتحذر من إذا ذبل عقل المرأة ذبل عقل الأمة ككل بتعبير توفيق الحكيم..ولتنطلق المرأة بكل طاقاتها وبقوة إرادتها لتحقيق مطالبها العادلة من أجلها وأجل صالح أبنائها وأسرتها ومجتمعها, وليكون اليوم العالمى للمرأة 8 مارس تكريما وتخليدا لكفاح المرأة ونضالها لرفع الظلم عنها.. نضال وصل إلى حد التضحية بحياتها, ففى هذا اليوم راحت عاملات النسيج لولاية شيكاغو بالولايات المتحدة يطالبن بثورة على قسوة الظروف من عدم الرعاية الصحية ويطالبن بساعة راحة من أجل صغارهن وأجورأفضل مثل زملائهم من الرجال ولكن ذهبن ضحية حريق شب بالمصنع بعد أن أوصد صاحبه الأبواب رفضا وتأديبا لهن.. لتتفجر المظاهرات فى أنحاء البلاد للمطالبة بالمساواة ورفع الظلم عن المرأة.. فاتخذ هذا اليوم رمزا لنضال المرأة فى المؤتمر العالمى بالدنمارك عام 1910.