أعرف سيدات كثيرات أصبح تفوق أبنائهن الدراسى هو الهدف الأسمى فى حياتهن, ولا اعتراض على ذلك فغاية كل أم إسعاد أولادها، والتعليم هو القاطرة الأساسية التى توصلنا للنجاح والسعادة وتحقيق أحلامنا, ولكنى أتوقف لحظة لألفت نظر الأمهات إلى وسيلة أخرى لا تقل أهمية، بل لا بد أن تكون موازية للتعليم المدرسى، هى الهوايات.
كانت صديقات أمى يمارسن كل الهوايات, وكانت مفارش البيت كلها والستائر من تطريزها هى وخالاتى، وكانت العائلات تفتخر بمواهب بناتهن، فمنهن من تعزف على البيانو ومن تعزف على الكمان أو العود، ومن تجيد الغناء ويشكلن فرقة موسيقية كاملة، وكن يلتقين يوما فى الأسبوع ليستمتعن بتلك الهوايات, كانت لى زميلة متفوقة فى الدراسة وموهوبة فى الرسم، وكانت مدرسة الرسم تعجب برسوماتها وتشجعها وتزين حوائط المدرسة بها, كانت ترسم الأشجار والطيور وموج البحر وكل ما تراه حولها من إبداع الخالق عز وجل، فلما تزوجت تركت الدراسة ونسيت الرسم، ولكن الموهبة لم تفارقها، فعشقت الخياطة وكانت تبتكر الأزياء وتهدى صديقاتها بالملابس وظفرت منها بالعديد من الأثواب التى كانت تلفت نظر كل من يراها، وقد صادفت فى حياتها مشاكل وعقبات كثيرة كانت تتغلب عليها بانهماكها فى ممارسة هوايتها.
فى العصر الذهبى للتعليم كانت المدارس تشجع الهوايات بين تلاميذها وتنظم يوما أسبوعيا لتدريبنا على الهوايات، وتقيم احتفالا فى نهاية العام الدراسى لتعرض فيه ما أبدعته التلميذات، وقد التحقت بفريق الموسيقى وتعلمت العزف على الأكورديون فى المدرسة والتحقت بفريق التمثيل, والتحقت زميلاتى بفرقة الرقص التوقيعى، وأخريات بالفرق الرياضية المختلفة, وكانت المدارس تشجع أولياء المور على ممارسة الهوايات والرياضات، فالتحقت والدتى، رحمها الله، بفريق الرياضة وشاركت فى العرض فى الاحتفالات بثورة يوليو.
لم تعقنى الهواية عن المذاكرة مطلقا، بل كانت فاتح شهية للاطلاع والتحصيل والإقبال على الحياة.
زرت مدرستى الجميلة منذ عدة سنوات فروعت بتقلص مساحات الملاعب، واختفاء النادى، وقاعة الجمنيزيوم، والبناء فى الأماكن التى كانت مخصصة لها, ونحن نتساءل لماذا يكره التلاميذ المدارس ويهربون منها؟ إن القرار الأول للسيد وزير التعليم، إذا شاء أن ينقذ التعليم فى مصر، يجب أن يكون إعادة حصص الهوايات والأنشطة الثقافية لتعود البهجة للمدارس وتتفتح أذهان التلاميذ، ويقبلون على الإبداع والابتكار, إن مصر تذخر بالعديد من المواهب الثقافية والرياضية بين شبابها وقد ظهر ذلك فى الفترة الأخيرة، وقد حرص الرئيس على تهنئتهم جميعا.
أتمنى إلغاء الكتب الدراسية وتشجيع التلاميذ على البحث عن المعرفة من مصادرها الأساسية، من الكتاب والشبكة العنقودية، وأن يلتقى التلاميذ فى حصص أسبوعية لتبادل المعلومات والتنافس على الحصول على أفضل المعلومات.
إن الهوايات الفنية والأدبية حائط صد ضد إغراءات الشيطان، وهى مصدر رزق لمن يخلص لها ويتفوق فيها, الله لا يسامح من ألغى حصص الهوايات المدارس وترك التلاميذ عرضة للإدمان والعنف وكافة الموبقات.
ساحة النقاش