رغم شهرتها فى أوروبا حيث يحتفل بذكراها سنويا خاصة فى سويسرا وألمانيا.. للأسف لا يعرف الكثير منا عن المصرية "فيرينا" التى تحمل اسمها 70 كنيسة فى سويسرا و30 كنيسة بألمانيا.. وجعلوا الأول من سبتمبر عيدا سنويا لتخليد ذكراها للدور الذى قدمته هذه القديسة المصرية, وقد رفعوها إلى هذا المقام لأنها استطاعت بإنسانيتها أن تعلم أهلهم النظافة وتعالج مرضاهم بالأعشاب الطبية.. وأن تنشر بحبها وعطائها مبادئ الدين المسيحى وهو ما عجز عنه الحكام بحروبهم وأسلحتهم, فصنعوا لها تمثالا بالحجم الطبيعى فى منتصف الجسر المقام على نهر الراين بين سويسرا وألمانيا.. تحمل جرة ماء بيدها والأخرى تحمل المشط الفرعونى, وقد نشرت ثقافتها بين أهل أوروبا وعلمتهم كيف يحافظون على نظافتهم بالماء وتنمية الوعى الصحى بينهم, فخلدوها بحفر صورها على جدران كنائسهم ورسم صورتها على نوافذ كنائسهم.
فمن هى فيرينا التى عادت رفاتها إلى مصر مع الوفد السويسرى عام 1986 بعد غياب 16 قرنا من الزمان, والتى أقامت لها السفارة السويسرية تمثالا كبيرا, وبنت مصر كنيسة باسمها بالقاهرة التى ضمت رفاتها باسم القديسة فيرينا, والحكاية تبدأ فى القرن الثالث الميلادى حيث اشتهر المصريون بتقدمهم فى مجال الطب وتحضير العقاقير المستخرجة من الأعشاب الطبية, وكانت فيرينا من أشهر الطبيبات الماهرات فى هذا المجال, وكان تعليم الطب فى هذا الوقت رسالة عظيمة ودورا إنسانيا يتم تسليم رايته من جيل إلى جيل.
وفيرينا المصرية المولودة فى قرية "جراجوس" فى صعيد مصر القريبة من مدينة طيبة الأقصر, ذهبت برفقة الكتيبة الطبية التى تضم العديد من الأطباء مع كتيبة من الجنود لمساندة الإمبراطور الرومانى, وكانت مصر تحت سيطرته في هذا الوقت أثناء حربه فى هذه المنطقة من أوروبا التى تمثل الحدود بين فرنسا وسويسرا وبلجيكا لإسعاف الجرحى وتطبيبهم, وبقيت فيرينا تقدم خدماتها هى والكتيبة فى وقت كانت فيه مجتمعات أوروبا تعيش فى جهل وظلام ووثنية, وعندما رفضت الكتيبة المصرية التخلى عن دينها المسيحى أمر الحاكم بقتلهم جميعا واستطاعت الطبيبة المصرية مع بعض الراهبات الهرب بأحد كهوف سويسرا لتعلم أهلها مبادئ الصحة العامة وتخفف آلامهم وتعالج أمراضهم بخبرتها الواسعة وتنشر مبادئ الدين المسيحى, ولكن تتعرض مرة أخرى لبطش الحاكم الذى أمر بسجنها, ولم تيأس لتخرج مرة أخرى وتعود إليها حريتها ورغم ذلك استمرت فى عملها الإنسانى ولم تعد إلى مصر لتمارس ما وهبت نفسها إليه من أجل هذه الشعوب, وتقول عنها الكنيسة المصرية: إنها قابلت الإساءة بالمحبة والدم بالتضية, وكانت سببا فى بدء التبشيرية المسيحية فى أوروبا وهو ما فشلت فيه سيوف القيصر, نجحت فيرينا المصرية بقلبها وعطائها وجرتها ومشطها فى تحقيق المستحيل, فقد استمرت فى رسالتها متنقلة بين كهوف سويسرا ليلجأ إليها الأوروبيون بعيدا عن أعين الحكام.. حتى توفيت عام 344 ميلادية عن عمر يناهز 64 عاما ودفنت فى سويسرا وبنى فوق جسمانها كنيسة بمدينة "مبورتاخ", ومنحت لقب القديسة فيرينا عرفانا من أهل سويسرا وأوروبا بالدور الذى منحته هذه المصرية لهم بالحب, وأصبح ذكرى يوم وفاتها عيدا سنويا لهم.
ساحة النقاش